شعارات الانتفاضة جداريّتُها وسجلّها في وسط بيروت: السلطة المحتقَرة

وليد حسينالثلاثاء 2019/10/29
1.jpg
تتقاسم شعارات الانتفاضة ومدوناتها الجدرانية هموم وموضوعات وحقوق كثيرة (مصطفى جمال الدين)
حجم الخط
مشاركة عبر

بعد نحو أسبوعين على انتفاضة اللبنانيين على زعمائهم وحكّامهم، تحولت جدران ساحتي رياض الصلح والشهداء إلى لوحة "فنية" أو غرافتي شارك في رسمها معظم المتظاهرين.

سجلّ الانتفاضة
على تلك الجدران وعلى الأرض والأعمدة، عبّر المتظاهرون عن غضبهم وسخطهم وفرحهم وسخريتهم وفكاهتهم، فرسموا جدارية الانتفاضة أو الثورة. وهي جدارية قد لا يُكتب لها البقاء، بعد أن تنتهي الثورة، ويعود من انتفض الشعب ضدهم إلى سدة الحكم، بعد تواريهم.. واختفائهم طوال نحو الأسبوعين الماضيين. فأهل السلطة سيسارعون حتماً إلى محو سجل الانتفاضة عن الجدران التي خط المتظاهرون عليها شعاراتهم ومطالبهم وشتائمهم، كأنها جزء من يومياتهم الكثيفة والمحمومة في الشوارع والساحات.

وقد يشن رجال الحكم، الذين غيّب المتظاهرون وشعاراتُهم أخبارَهم ووجوههم عن الشاشات، حملةَ نظافة واسعة هدفها المعلن إعادة جدران الأبنية إلى طبيعتها ونظافتها. لكن المضمر فيها هو محو أسمائهم وصورهم المذيّلة بالشتائم التي اختطها المتظاهرون، متوسلين الأعضاء التناسلية بهدف التحقير والشتم.

شعارات بين الصرخات
شعارات سياسية ومطلبية غاضبة ومباشرة تختلط بشتائم ورسوم وشارات وغرافتي، تبدأ كلها بكلمة "ثورة" التي بُحّت حناجر كثرة من المعتصمين، فيما هم يهتفون بها صارخين، مع هتاف آخر يمكن اعتباره أيقونة هتافات الانتفاضة: "كلن يعني كلن".

وتتقاسم شعارات الانتفاضة ومدوناتها الجدرانية هموم وموضوعات وحقوق كثيرة: حقوق المثليين والنساء، والحق في التعليم، وإسقاط حكم المصارف.. وتدّل الشعارات على تنوع الذين مروا وأقاموا في الساحات، سياسياً وطائفياً وحتى مناطقياً.

بعض تلك الشعارات أو الكلمات والجمل المقتضبة، يبدو أنها دوِّنت على عجل على الجدران، بعد الانتهاء من الخطب السياسية التي توالت على المتظاهرين، أو دُوّنت بين صرختين. وبعض الشعارات شُطب جزء منها أو مُحِي، وأضيفت إليه كلمات جديدة، تدلّ على اخلاف الذين مروا وتناقضاتهم. هناك لوحات غرافيتي رفع فيها المتظاهرون ثلاثة من الزعماء السياسيين على العضو الذكري، وذيلوها بالكلمة العاميّة: "خوذ". أما معظم المسؤولين فنالوا نصيبهم من الشتائم، ولم تسلم أمهاتهم وزوجاتهم في الشعارات المدونة على جدران وسط بيروت. 

القديسان والمكروه الأول
ومن معالم جدارية الثورة، يظهر أن بعض مناصري حركة أمل وحزب الله سبقوا باقي مناصري الأحزاب في شطب أو تعديل الشعارات التي تمسّهما وتطال قدّيسيهما، نبيه بري وحسن نصرالله. فإذا كتب أحدهم "نصر الله واحد منن، جاء بعده من شطب "واحد منن"، وكتب قبل اسم نصر الله كلمة إلا. هذا فيما قام آخر بطلاء كلمة بري، لتبقى الشتيمة وحدها، كأنها موجّهة إلى مجهول.

تُظهر الشعارات في ساحتي الشهداء ورياض الصلح بوضوح، حضور جمهور الثنائي الشيعي، وغياب جمهور القوات اللبنانية والتيار العوني. "جعجع صهيوني"، كتب أحدهم، من دون أن تصل إلى الشعار يد المحو، أو  لم يصلها طلاء الرقيب بعدُ. بل ترصّعت بإضافات شتائمية وبألوان شتى. أما الوزير جبران باسيل، فلم يعمل أحد على شطب أو تعديل أي شتيمة طالته. إذ يبدو اسمه منتشراً بكثافة على الجدران كلها تقريباً. وهذا قد يظهر غضب جمهور حركة أمل من بايع حزب الله الملك في المنظومة العونية. وقد يعكس إجماعاً "وطنياً" على الغضب من باسيل.

الشعارات السياسية
على خلاف هذه الشعارات الشتائمية، تعكس الشعارات المتفرقة المدونة على  جدران اللعازرية والأبنية المقابلة لها، شعارات الانتفاضة السياسية وفنها الغرافيتي. وهذا سببه أن جميع المجموعات الطلابية وأساتذة الجامعات (الأميركية، والقديس يوسف، واللبنانية الأميركية)  وسواها من الجمعيات المهنية ومجموعات الناشطين، أقاموا مخيماتهم في ساحات اللعازارية. فعلى حائط صغير تتلاصق عشرات الجمل والشعارات والشتائم التي تصعب قراءتها، فتحوّلت لوحة فنّية (غرافيتي) رسمت الانتفاضة خطوطها الساخطة وألوانها. وهي تبدأ من "حق المرأة أولوية"، و"يسقط حكم الدولار"، و"يسقط حكم المصرف" و"رياض سلامي حرامي"، ولا تنتهي بـ"حقوق المثليين والمتحولين جنسياً" و"الحكم للشعب"، و"ارحلوا" و"حبوا بعض"، وغيرها من الكلمات التي تصعب تهجئتها.

غضب على المستوزرين
وهناك المناجل والمطارق وجمل من قصائد محمود درويش، وأخرى عن العلمانية والعدالة الاجتماعية التي كتبها يساريون. وإلى جانبها تقرأ شعارات حانقة على جمعيات المجتمع المدني، حنقاً شتائمياً. أو ترى من هو حانق على بعض الفنانين، فيكتب مطالباً بإسقاط عاصي الحلاني، أو جوليا بطرس: "يا ثوار الأرض ما تحطوا أغاني مدام بو صعب وزير الدفاع الفاسد". وترى من ضاق ذرعاً ببعض أسماء الشخصيات التي طُرحت لتسلم مناصب وزارية في الحكومة الانتقالية: "يسقط زياد بارود وجمانة حداد" و"يسقط شربل نحاس". وترى أيضاً من صب غضبه على وزير البيئة فادي جريصاتي: "ما تسمعني صوتك"، و"سمعت صوتنا يا...".

الغرافيتي
وفي حمأة هذه الشعارات واللوغويات التي صوّرت بعض المسؤولين كمصاصي الدماء، وباسيل محاطاً بكلمة هيلا هيلا هيلا هو، احتلت الغرافتي الاحترافية مكاناً لا بأس به، فتآلفت في العشوائية الصارخة في جدارية الثورة. ومن لوحات الغرافيتي انتحال أحد الرسامين رسم "الصرخة"، جاعلاً من الكلمات والخطوط وجوهاً كثيرة صارخة، ويداً تنتصب موجّهةً إصبعها الوسطى إلى فوّهة مسدس.

وإذا كانت القبضات المشدودة قد تكاثرت رسومها ومجسماتها بأحجام مختلفة في الساحتين، للدلالة على القوّة والتحدي، فهناك رسم من الحجم الضخم لقبضة تنتصب منها الإصبع الوسطى، وكُتب فوقها "خوذ". وقد يكون هذا أقذع تعبير لاذع يخاطب به المتظاهرون أهل السلطة الرافضين تقديم استقالتهم من الحكم.

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث