وتبيّن أن هناك مؤامرة فعلية على البلد يقف خلفها اللبنانيون جميعاً، حتى أنهم لم يخفوا الأمر وراحوا يوزعون صورهم، ويؤكدون على أنهم يمولون الثورة، للرد على اتهامات أمين عام حزب الله حسن نصر الله. وهذا التمويل الذي لجأ إليه اللبنانيون يدلّ حقيقة على أنهم ضاقوا ذرعاً من الطبقة السياسية ويريدون الخلاص منها، حتى لو اقتضى الأمر بذل أموالهم لنجاح ثورتهم.
الاستخفاف بالعقول
لكن حملة الرد على اتهامات نصر الله، بشقها الجدي لا طائل منها على حد قول أحد الناشطين، الذي تمنى لو اقتصرت على الفكاهة والنكات. فمن قام بالحملة لم يسأل نفسه أن آخر من يحق له سؤال الناس عن التمويل هو حزب الله الممول من إيران، كما قال. وأضاف متسائلاً: هل فعلاً علينا الكشف عن ممولينا، في حال وجدوا، لمن حمل ملايين الدولارات في الصناديق وراح يوزعها على سكان الضاحية بعد حرب تموّز؟ وحتى لو كشفنا له أدق التفاصيل وبالأرقام، وعددنا السندويتشات والمناقيش، هل سيقتنع بأن لا أحد يموّل الثورة؟
وبعيداً من الهزء والتنكيت، الذي تناول به المتظاهرون كلام نصر الله عن التمويل، وبدا من تعليقاتهم أنه حتى الأطفال لن يقتنعوا باتهاماته.. ذهبت وسائل إعلام معروفة التوجه بحَبْك شباك المؤامرة على نحو ركيك ومصطنع، ثم انتقلت إلى ترويجها وكشف المستور فيها، ولم تخل من الضحالة والاستخفاف بعقول اللبنانيين، حتى باتت أشبه بمن يكذب الكذبة ويصدقها.
ساحة الشهداء (علي علّوش)

حلو عنا
لعل الوهلة الأولى التي بدرت عن الناشط في مجموعة حلو عنا محمود فقيه، تعبّر عن كيفية تلقف الناشطين لاتهامات نصر الله. فلدى سؤاله عن طرق التمويل التي تعتمدها المجموعة أجاب مستنكرا وبعفوية من شعر بتلقي سهام الاتهام: "وحياة القرآن ما حدن بيموّلنا وما عنا تمويل". لكن وبعد أن هدأ من روعه شرح لـ"المدن"، أنهم عمدوا إلى جمع مبلغ مئتي دولار واستأجروا حافلة صوتيات في يوم غزوة حزب الله على ساحة الشهداء. وتبيّن أن صاحبها من مناصري الحزب، إذ سرعان ما انسحب من الساحة بعد خطاب نصر الله، فضاعت دولاراتهم هباءً. ولم يتمكنوا من جمع غيرها، خصوصاً أن الناشطين في المجموعة من محدودي الدخل ولم يقبضوا حتى رواتبهم بعد. ما جعلهم يتشاركون مع بقية المجموعات الكراسي ويأكلون من الخيم التي تقدم الطعام.
العوز الشيوعي
الشيوعيون واليساريون والناشطون المستقلون ليسوا أفضل حالاً من "حلو عنا". لكن قدرتهم في التأثير بالمقربين منهم يقيهم شر عوز "السفارات". إذ يعمدون إلى جمع التبرعات من المناصرين والحزبيين في لبنان بشكل يومي، وبمبالغ بسيطة تبدأ بألف ليرة، وقد لا تصل إلى المئة ألف ليرة من كل متبرع. لكن في المقابل يتلقون تبرعات عينية مثل الطعام الذي تعدّه النساء في البيوت. وهذه حال مجموعة "المرصد الشعبي لمكافحة الفساد" التي ترفض حتى القيام بحملات تبرع إلكترونية. وفقر حال المرصد يبدو من سندويتشات الجبنة والمارتاديلا التي يعدونها في خيمتهم بهدف التوفير.
التبرع الإلكتروني
الأكثر حرفية هما مجموعتي "لحقي" و"بيروت مدينتي". فوفق منسق التثقيف في "بيروت مدينتي" بيار الخوري عمدت المجموعة إلى جمع مبلغ بسيط عبر التبرعات الإلكترونية، وأوقفوه عندما بلغ 2500 دولار، لاستخدامه لبعض اللوجستيات. إلى هذا التمويل البسيط يشير الناشط وائل لاذقاني، الذي يدير خيمة المطعم في المجموعة، إلى أنهم يجمعون المأكولات من تبرعات بعض المطاعم في بيروت ومن نساء تعد الطعام في البيوت. حتى أن أحد المغتربين اللبنانيين طلب عبر تطبيق "زوماتو" مئتي سندويش من أحد المطاعم وأرسلها إلى الخيمة.
مجموعة "لحقي" تعتمد ثلاثة طرق للتمويل وفق الناشط علاء الصايغ. جمع التبرعات بشكل مباشر من المواطنين، والتمويل الإلكتروني من المواطنين ومن المغتربين عبر تطبيق "غو فاند مي" وويسترن يونيون. وأضاف الصايغ، الحد الأقصى للتبرع هو 500 دولار من الشخص الواحد، الذي بإمكانه وضع اسمه في لائحة المتبرعين أو إبقائه مغفلاً. لكن المجموعة يصلها إشعار باسم الشخص. وهناك التمويل العيني، أي تقديم الخيم أو التنقل في السيارات، أو توفير الطعام والمياه من جمعيات أهلية ومن ومطاعم وأفران، إضافة إلى الطبخ البيتي.
مناقيش "السفارات" (مصطفى جمال الدين)
الطلاب
شبكة "مدى" التي تضم مجموعات طلابية من معظم الجامعات وحركات نسوية وغيرها، ليس لديها ميزانية مرصودة من الأساس. وهي وفق الناشطين فيها لم تعمد إلى جمع التبرعات، لأنها لم تجد حاجة إليها بعد. حالياً، يعتمدون على التمويل العضوي وبميزانية صفر. فعلى مستوى الترويج على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي يلجأون إلى المتطوعين من أصحاب الاختصاص الذين يعدون الصور والفيديوهات والنقل المباشر. أما اللافتات والشعارات فممولة ذاتياً وثمنها بخس ولا تحتاج لأي ممول. حتى أنهم لا يستأجرون الصوتيات، ويستخدمون تلك التي تستأجرها مجموعات أخرى.
تمويل صديق للبيئة
ولعل الطريقة التي تعبر عن الطرق الصديقة للبيئة التي يعتمدها اللبنانيون في دعم "ثورتهم" بيع النفايات التي يتركها المتظاهرون خلفهم وشراء المناقيش وتوزيعها على خيم الناشطين. ورغم المبالغ الزهيدة المحصّلة، إلا أنها تعبر عن الإبداع وتطوير سبل العيش مع أيام الثورة. فوفق الناشطون تم تحصيل نحو 700 ألف ليرة من بيع النفايات العضوية لبعض مزارع المواشي، واشتروا فيها المناقيش من الأفران الصغيرة في الأحياء.

التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها