newsأسرار المدن

جمهور "المقاومة" أول المطالبين بتحطيم أصنامها

وليد حسينالأحد 2019/10/27
9K9A9849.JPG
لدى حسن نصرالله رغبة واضحة في تجديد قسمة اللبنانيين إلى ساحتين متصارعتين (عزيز طاهر)
حجم الخط
مشاركة عبر
مقدمة لا بد منها: الموت لإسرائيل. عبارة أخذ بعض الجنوبيين يفتتحون بها تعليقاتهم، للقول إنهم ليسوا عملاء، في مطالبتهم بإسقاط الحكومة، في انتفاضتهم ضد السلطة الفاسدة.

أصنام المقاومة
كنت في الثامنة من عمري عندما تقطع جسد أخي زياد إرباً، أثناء تنفيذه عملية ضد دبابة إسرائيلية في قريتنا حولا في العام 1987، ولم نجد منه إلا القليل لمواراته الثرى. وعندما ذهب أبي إلى مجلس الجنوب في حومة تقاضي عائلات الشهداء تعويضات مالية (عشرين مليون ليرة لكل شهيد) عن خساراتهم أبنائهم، في أواخر التسعينيات، أهين بأن حُرر له شيكاً بمئة ألف ليرة. وقيل له حينها حرفياً أن الشهيد في الثمانينات كان يساوي هذا الثمن.  

تربينا في بيت والدي الشيوعي على "المقاومة"، واحتمال الشهادة في سبيل الأرض والوطن، على ما كان يكتب في قصائده. ولم أتخلص من هذه المشاعر إلا في منتصف العشرينات من عمري. أي بعد "تحرير" الجنوب واحتفاظ حزب الله بسلاحه وسيطرته على المناطق المحررة وترويعه كل من لا يواليه ويطيعه.

وتكرس تحطُّم أصنام "المقاومة" في وجداني، بعدما خاض حزب الله معاركه الداخلية أو حروبه الأهلية في لبنان، سعياً للتصدر والسلطان وتسيّده على الآخرين. أي عكس ما قاله الحاكم بأمر الله في الجمهورية اللبنانية المخلّعة، والتي كان المساهم الأول في تصديعها، وأطل علينا يوم الجمعة في قناع فقيه دستوري مقدس، رافضاً إسقاط الحكومة وسقوط الفاسدين في الشارع المنتفض، ممجِّدا إصلاحات حكوميّة ملفقة، ومهدداً الشعب اللبناني بجيشه السري الذي افتتح كلمة سيده بترويع المتظاهرين والمعتصمين في ساحتي الشهداء ورياض الصلح.

مرشد الجمهورية
العنف الذي يدبره أركانه ويأمرون به جيشه في الخفاء، حق مقدس من حقوقه على اللبنانيين جميعاً، وخصوصًا على من لا يطيعه من طائفته. فهو مرشد الجمهورية، ورئيس مصلحة تشخيص نظامها، وله القرار والسيادة في تقرير مصيرها. كيف لا، وقد أعلن عن دوره الفعلي والياً سياسياً وعسكرياً بأمر اللبنانيين، واكتشف فجأة بفراسته في مخبئه السري "المؤامرة" التي يحيكها شعبه على "مقاومته" وجيشه، فراح يتهمه بأن سفارات ودولاً تموله وتأمره.

فالسياسة كلها عنده تمويل بتمويل، على غرار تفاخره بالتمويل العلني الذي يتلقاه من سيده ووليه الخامنئي في إيران، متحدياً أن يكشف المنتفضون عن مموليهم، بدا ما يقوله أشبه بلعبة الأطفال، أكثر مما بدا صاحب قوة وشكيمة مطلقتين. مع ذلك انقاد الآخرون الذين ولاّهم إلى طاعته والتسليم له بما يريد. وإذا استعرت من طفولتي الجنوبية مثالاً، يبدو في تهديداته أشبه بشبّان الحارة الشمالية في حولا، أولئك الذين كنت أخرج من ملعب كرة القدم معهم مكسّر القدمين، سواء فاز فريقنا أو خسر. 

صنم الورقة الاقتصادية والطائفية
بعكس عائلتي التي استمرت في تمجيد "المقاومة" - رغم توجيهها انتقادات لحزب الله على مشاركته في السلطة وحماية الفاسدين - حطّمتُ صنم "المقاومة"، وبت من الداعين لحصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية، أي الجيش اللبناني، منشداً في مناسبات كثيرة: "ما بدنا جيش بلبنان إلا الجيش اللبناني". انفتحتُ حينذاك على باقي مكونات المجتمع، بعدما مزقت الطائفية وحروبها اجتماعهم وعيشهم في دولة يتساوى فيها المواطنون.

نعم تحطيم صنم المقاومة كان ركناً أساسياً لدخولي إلى الوطن الرحب. وهذا ما يجب أن يدركه جمهور حزب الله، قبل جمهور حلفائه. فسيد المقاومة في خطابه الأخير، وما قبل الأخير، بدا أشد المتمسكين بالسلطة المتفسخة الفاسدة وبرموزها ونظامها، تحت لواء الورقة الإصلاحية الحكومة الوهومية. وهي الورقة التي فنّدها  اقتصاديون محسوبون على محور "المقاومة" أو الممانعة، واعتبروها ورقة إفلاس البلد وبيعه.

وبدا قائد الجيش السري أشد المدافعين عن النظام الطائفي، الذي يفقد سقوطه الأحزاب الطائفية كلها قدرتها على التحكم برقاب اللبنانيين، بمن فيهم جمهور حزبه.

وكان أول المدافعين عمن انتقدهم، واتهمهم بالتآمر والوقوف وراء انتفاضة اللبنانيين، أي سمير جعجع وفؤاد السنيورة ووليد جنبلاط. فبهجومه عليهم أراد شد عصبهم الطائفي على قاعدة "يا غيرة الطائفة"، برغبة واضحة منه في تجديد قسمة اللبنانيين إلى ساحتين متصارعتين. هذا بعدما عرّاهم الشعب اللبناني مطالباً بمحاسبتهم جميعاً، و"كلن يعني كلن".

ليس هذا وحسب، بل أن سيد "المقاومة" استعان من جديد بالمؤامرة على البلد و"المقاومة" لشد العصب الشيعي ورفع الغطاء عن أي شخص خرج من بيئته، للمطالبة بمحاسبة جميع الذين أفقروا البلد وهجّروا أبنائه. وبذلك يكون قد أعاد اللحمة للنظام الذي بدأ يتضعضع أمام وحدة الساحات من الشمال إلى الجنوب، وعلى قاعدة "كلن كلن حراميي"، ومحاسبة جميع المسؤولين واسترداد الأموال المنهوبة.

بعد هذا كله، أليس جمهور "المقاومة" هو المطالب الأول بتحطيم أصنامها؟!

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

  • image
  • image
  • image
  • image
  • image
subscribe

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث