لليوم الثامن على التوالي، 24 تشرين الأول، استمرّت عاصمة الشمال في تظاهراتها الشعبية، في وسط ساحة عبد الحميد كرامي (ساحة النور). "عروسة الثورة" في لبنان المنتفض على زعاماته وطوائفه وأحزابه والسلطة والعهد كلّه، لم يمنع الشتاء أبناءها من النزول إلى الشارع، لا سيما بعد كلمة رئيس الجمهورية ميشال عون، التي أحدثت غاضبًا وتهكمًا عارمين في المدينة، وتحولت كلمته إلى حزورة حول ما إذا كانت مباشرة أو مسجلة!
"نحن في مكان آخر"
وكما كانت ارتدادات كلمات وزير الخارجية جبران باسيل ورئيس الحكومة سعد الحريري وأمين عام حزب الله حسن نصرالله، حدث الأمر نفسه مع الرئيس عون، الذي لم يتلقف الطرابلسيون كلمته، كحال جميع أبناء المناطق الثائرين، وكأن كلّ من يملأون الساحات فقدوا القدرة على تصديق أو حتى سماع كلمة من رموز هذا العهد وقياداته. وكلّ ما يصدر عنهم، يكون دافعًا لمزيدٍ من الغضب والإصرار على البقاء في الشارع. يقول محمد (34عامًا) وهو يرفع العلم اللبناني في ساحة النور: "سمعت كلمة عون فشعرت بالغضب، ثمّ نزلت إلى الشارع قبل أن يكملها، وأنا لا أفهم كيف يستخفون بأوجاعنا ومطالبنا ثمّ يعتبرون أن ما نطلبه ونقوله هو مطلبهم وقولهم". بينما ماجدة (55 عامًا)، وهي مدرسة، تعلّق: "هذه السلطة فاسدة ولا تتوقف عن الكذب، ومهما تكلموا لن نقبل سوى برحيلهم ومحاسبتهم جميعًا، ونحن أصبحنا بمكانٍ آخر وهم لا يريدون أن يفهموا أنّ ثورتنا هي على ما أنتجته أفعالهم في تفقيرنا وتجويعنا".
قطاع المهن الحرة
بعد مفعول كلمة عون، انشغلت طرابلس بحراك قطاع المهن الحرّة، الذي ضمّ نقابات المحامين والمهندسين والأطباء وأطباء الأسنان في الشمال، وأعلنوا التضامن الرسمي والكامل مع الحراك في طرابلس والشمال، مع استعدادهم لتزويده بالخطط والمقترحات المساعدة في تحقيق المطالب.
داخل حرم مبنى نقابة المحامين في طرابلس، اجتمع أبناء هذه المهن، مع نقباء المهن الحرة وهم: نقيب المحامين محمد المراد، نقيب المهندسين بسام زيادة، نقيب الأطباء سليم أبو صالح، نقيب أطباء الأسنان الدكتورة رلى ديب. لم يكن الاجتماع سهلًا، وإنّما ساده الضغط والهتافات الدافعة نحو تجاوز أيّ حسبة سياسية للنقباء، من قبل الأطباء والمهندسين والمحامين، فأصروا على النزول إلى الشارع من أجل الانضمام إلى الحراك الشعبي وإعطائه زخمًا وقوّة دفعٍ نحو الأمام. وفي نهاية المطاف، رضخ النقباء لمطالب أبناء نقاباتهم، رغم حساباتهم السياسية وانتماءاتهم، لا سيما أنّ نقيبي المهندسين والمحامين معروفان بولائهما لتيار المستقبل والرئيس الحريري. وبعد تلاوة البيان المشترك من قبل النقيب مراد، الذي لمّح أنّ ثمّة تبايناً في وجهات النظر بين النقباء لجهة المضي للمشاركة في الحراك بصفتهم النقابية، توجه المهندسون والأطباء والمحامون إلى ساحة النور. نزل الأطباء بستراتهم البيضاء، والمهندسون وضعوا قبعاتهم، أمّا المحامون فلم ينزلوا بثوبهم الأسود، بعد أن طلب منهم مراد عدم النزول به إلى الساحة، نظرًا لرمزيته "وهيبته" التي تحدث عنها طويلًا.
التضامن الكامل
وأبرز ما جاء في بيان نقابات المهن الحرّة، هو إعلانهم "التضامن الكامل مع الحراك الشعب"، وتمسكهم بـ "سلمية هذا الحراك الذي تجاوز الطائفية والانقسامات المذهبية وتوحيد الشعار الوطني وابتعاده عن المماحكاة السياسية". كما اعتبر تجمع النقابات أنّه "جزء من هذا الحراك، وهو حاضر لمواكبة التحركات الشعبية ومساعدتها في تجاوز ما يعترض سبيل الحراك من التعرض للحريات العامة ومن عقبات وتدخلات ومحاولات اختطافه إلى معان أخرى وأماكن مختلفة واستغلال الصرخات الشعبية لمنافع مشبوهة". وبالتالي، فـ "إن التجمع يؤكد على أحقية الشعب بانتفاضته في وجه هذا الواقع المرير، نتيجة السياسات الخاطئة، وعلى ضرورة محاسبة الفاسدين، وإصدار قانون يعيد الأموال المختلسة الى الدولة". وفي الوقت عينه، "يؤكد على استعداده لتزويد الحراك بالخطط والافكار والمقترحات والدراسات المساعدة في تحقيق المطالب، ويعتبر النقباء المجتمعون أنفسهم لجنة متابعة في هذا الصدد".
هذا، وكان نقيب المحامين مراد أعلن أنّ نقابته وضعت خطًّا ساخنًا للمتظاهرين، وكرّست "جيشًا من المحامين لخدمة الحراك وتقديم المساندة والمشورة القانونية، وهناك غرفة عمليات في النقابة تحضر خططًا من أجل وضع خريطة قانونية ومخارج دستورية تتيح تشريع استعادة كلّ الأموال المنهوبة في الدولة اللبنانية".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها