تعيش صيدا يوماً مجيداً آخر من أيام الثورة، متناغمة مع باقي المناطق. ونجحت المدينة في تمييز حراكها الشعبي المستمر في وسطها عند تقاطع أو ساحة "إيليا " منذ أيام سبعة، بإبقائه منفصلاً عن أعمال قطع الطرق التي يقدم عليها شبان حزبيون بين حين وآخر في شوارع وأحياء أخرى، من دون أن تنتقل هذه العدوى إلى ساحة الاعتصام المفتوح للناس جميعاً، والنابض بانتفاضتهم السلمية.
إيقاع يومي
ونقل الحراك في الساحة نموذجه وإيقاعه إلى المدينة كلها وجوارها، مستفيداً من تفاعل الناس كباراً وصغاراً، نساءً ورجالاً، أفراداً وجماعات، نقابات وقطاعات وجمعيات ومدارس وعائلات.
مع اشراقة شمس كل صباح، يبدأ الزحف الشعبي نحو ساحة "إيليا"، التي تشكل قلب تقاطعات المدينة، وأغلقها المعتصمون أمام السيارات. أصبحت الساحة فضاء تلاقٍ وتفاعل وتشارك بين أهل المدينة ومحيطها السكني المتنوع في انتمائه، تحت علم واحد هو العلم اللبناني وشعار واحد: "الجنوب ينتفض".
وككرة ثلج يكبر الحشد في الساحة مع مضي ساعات النهار، ليبلغ ذروته ليلاً بتظاهرة جماهيرية من ألوف تضيق بحشودهم ساحة الاعتصام، فتمتد إلى الطرق المتفرعة منها.
المتنقل بين المتظاهرين يكتشف سر اندفاعهم للمشاركة في الاعتصام الذي نمّى فيهم طاقة إيجابية، ترتسم على وجوههم وتطل من عيونهم بريقاً لامعاً بأمل أن تحقق انتفاضتهم ما خرجوا من أجله. كل منهم يعبر عما يريده من هذه الثورة. تتعدد مطالبهم وقضاياهم وهمومهم التي تشكل برنامج عمل لأي حكومة إصلاح تتمخض عنها ثورتهم. هم يريدون حسب لافتاتهم التي رفعوها على شارة ضوئية "تحقيق العدالة الاجتماعية، استعادة الأموال المنهوبة، إسقاط النظام الطائفي، إسقاط حكم المصارف".
هوبّي يا صيدا هوبّي
أحد المعبرين عن الشبان المعتصمين يقول: "الجيل الشاب الذي شاب وهو يحلم بألم، كل خطوة وساعة من حياته تمر بعذاب. كنا نريد وطنا نحيا فيه، صار لنا بلداً لليأس والموت، فيما قادة لبنان بقعة سوداء على ثوب لبنان الأبيض". وعبارة "هوبّي (تعالي) يا صيدا هوبّي" التي أطلقتها امرأة باللهجة الصيداوية المحكية، تحولت شعاراً تصدر بعض اللافتات المرفوعة.
يصف المتظاهرون في صيدا الورقة الحكومة الإصلاحية بـ "المخلوعة". فهم لا يثقون بنظام سياسي اختبروه في الأزمات المتعاقبة والعجز المتلاحق. لذلك يرون أن الإصلاح يبيدأ بإسقاط النظام وإقالة جميع رموزه: "كلن يعني كلن".
عربات الأطفال تجرها أمهات متنقلات بين عربات الباعة المتجولين في ساحة الاعتصام لبيع الحلوى والمأكولات الصيداوية: معلل التفاح الأحمر الذي تشكل جزءاً من تراث المدينة.
تتعدد أشكال التعبير في تظاهرات: أغاني وطنية تبثها مكبرات الصوت، وقصائد حماسية يلقيها بعض المتحمسون، لوحات تشكيلية، رقص ودبكة وهتافات تصدح بما في صدور المتظاهرين من إصرار على التغيير.
هكذا يستمر كرنفال الانتفاضة في صيدا، ترفده أجيال وأشكال تعبير مختلفة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها