ووفق بو موسى "صعوبة الحريق يكمن في طبيعة المنطقة الحرجية والوعرة وانحداراتها الساحقة وصعوبة الوصول إليها، هذا فضلاً عن بعض المناطق التي يوجد فيها ألغام من أيام الحرب". وبعيداً عن ضعف الإمكانات يقول بو موسى، فيما لو نشب هذا الحريق بالظروف المناخية والجغرافية ذاتها في أميركا أو فرنسا، فصعوبة إطفائه واحدة، بمعزل عن الإمكانيات والتقنيات المتوفرة. فجميع التقنيات المتقدمة تصبح بفاعلية صفر، أمام الظروف التي واجهتنا. كنا قد سيطرنا على نحو 80 بالمئة من الحريق، فهب علينا الهواء الشرقي وضاع كل تعبنا بلحظات وتجدد الحريق واشتعل أكثر.
وإذ لفت بو موسى إلى أن تطوع المواطنين لإطفاء الحريق في مثل هذه الحالات غير مرغوب به، لما فيه من مخاطر على حياتهم، شدّد على أن التعب الذي ألمّ بعناصر الدفاع المدني لم يشهد له مثيلاً، تماماً مثل تعاطف المواطنين معهم. فقد هب المواطنون للمساعدة بشكل غير مسبوق، وكان للأمر أثر بالغ في صفوف عناصر الدفاع المدني.
الفلسطينيون ممنوعون من التطوع
رغم العيش البائس الذي يعيشه الفلسطينيون في المخيمات، ومعاناتهم مع القوانين اللبنانية الجائرة، وما يلحقهم من تمييز عنصري من بعض القوى السياسية، كان للدفاع المدني الفلسطيني مساهمة كبيرة في محاصرة النيران ومساعدة الأهالي. فقد تحركت فرق الدفاع المدني والهلال الأحمر الفلسطيني وبعض الجمعيات في المخيمات لمد يد العون. ووفق قائد الدفاع المدني الفلسطيني حسين الديماسي، بدأت فرق الدفاع المدني العمل منذ منتصف الليل التالي لاندلاع الحريق، وحضر في البداية فوج برج البراجنة إلى منطقة الدبية. وفي اليوم التالي جرى تنسيق مع المركز الإقليمي للدفاع المدني اللبناني، وحضرت أفواج من مخيم عين الحلوة وشاتيلا إلى الناعمة والدامور وغيرها من المناطق. ووصل عدد الجولات التي قاموا بها إلى أكثر من ثلاثين، شارك فيها نحو 30 عنصراً توزعوا على ست مجموعات، سقط في صفوفهم إصابتين.
ولفت الديماسي إلى أن "فرق الإطفاء الفلسطينية شاركت بعتادها الخاص، كي لا تشكل أي عبء على الدفاع المدني اللبناني. وفي بعض المرّات شغّل رجال الإطفاء الفلسطينيين آليات الدفاع المدني اللبناني بعد أن أصيب عناصرها بتعب وإرهاق شديدين جرّاء هذا الحريق الهائل، الذي كان بحاجة لكادر بشري ضخم". وأضاف، "رغم الجهود الكبيرة التي قام بها عناصر الدفاع المدني اللبناني، أعلم جيداً الإمكانيات المتوفرة لديه، والمشاكل الكثيرة التي يعاني منها، فقد كنت متطوعا فيه قبل صدور القرار الذي قضى بمنع الفلسطينيين من التطوع".
ووفق الديماسي: "مهمتنا كانت إنسانية، بعيدا عن السياسة التي نتركها للمجتمع اللبناني. بالنسبة لنا المشاركة في إطفاء الحرائق أفضل بكثير من المشاركة في تظاهرات قد تسيء للفلسطينيين. كان هناك طلب استغاثة، وقمنا بواجبنا بعيداً عن أي تمييز. وشكلنا غرفة عمليات في مخيم برج البراجنة بحضور قادة الفرق في معظم المخيمات، وتواصلنا مع الدفاع المدني اللبناني وأبلغناهم عن توفر 222 عنصراً جاهزين للتحرك والمؤازرة في أي منطقة في لبنان، ونحو 300 متطوع في حال شبّ أي حريق مشابه لاحقاً.
خلية أزمة في الاشتراكي
تحرك شباب منظمة الشباب التقدمي ومناصرو الحزب التقدمي الاشتراكي لإطفاء الحرائق ضمن مناطقهم وضمن إمكانياتهم، في اليوم الأول لاندلاع الحريق، وفق وكيل داخلية الشوف عمر غنّام. لكن بعد النداء الذي وجهه رئيس الحزب وليد جنبلاط، اتسعت وتيرة المشاركة وبدأت الوفود تصل من معظم مناطق الجبل ومن راشيا وبيروت. وتطوع مئات الشباب لإطفاء الحرائق بشكل مباشر، بينما تم تشكيل فرق لوجستية عملت على تأمين مياه الشرب والطعام لعناصر الدفاع المدني والجيش والقوى الأمنية. وخصصت فرق لجمع التبرعات من مواد غذائية وأدوية ولوازم إسعافات أولية لإغاثة المواطنين المتضررين. هذا فضلاً عن تبرع فريق من الأطباء لمساعدة الجرحى.
شكّل الحزب خلية أزمة للعمل على أكثر من مهمة. البعض أوكل التواصل مع البلديات وأصحاب صهاريج المياه وشركة المياه لتزويد صهاريج الإطفاء بالمياه. فريق آخر تولى تنظيم المتطوعين في القرى وعددهم والمهام التي يستطيعون القيام بها. وفريق تولى التواصل مع الدفاع المدني والجيش والصليب الأحمر والمستشفيات. وكان هناك دور لافت لاتحاد النساء التقدمي الذي عمل على تقديم الطعام للمسعفين وجميع المشاركين في عمليات إطفاء الحرائق. إلى ذلك كان ملفتاً للحزب مدى تكاتف المجتمع الأهلي، والاستعداد للمساعدة خلال هذه الكارثة التي حلّت بالمنطقة، وفق غنّام.
الشيوعيون على خطوط النار
علي إسماعيل، وهو مسؤول الطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني، كان أول المبادرين والواصلين إلى مسبح الجسر، حيث شُكّلت غرفة عمليات لمتابعة الحريق. ووفق إسماعيل جرى التواصل مع الجهات التي بدأت تقدم المساعدات العينية، تمهيداً لنقلها إلى عناصر الدفاع المدني والمواطنين المتضررين. ولم يقتصر عملهم على تأمين الطعام والماء والدواء انطلاقا من مسبح الجسر، بل شكّلوا فرق عمل في معظم القرى بالتعاون الاتحاد الشباب الديمقراطي والجمعيات الأهلية والمواطنين غير حزبيين.
توزّعوا على أكثر من جبهة، إضافة إلى جمع المساعدات العينية، البعض كان يتعاون مع الناس الذين قدموا بيوتهم لتوزيع بعض العائلات المتضررة عليها. كما شكّلوا فرق عمل على الأرض، تطوعوا لمساعدة رجال الإطفاء المنهكين في المشرف والدبية ودميت والدامور.
وقال إسماعيل: "استطيع القول أن شبابنا الذين تواجدوا على الأرض تسلموا العمل عن بعض رجال الإطفاء بشكل فعلي، فقد كانوا منهكين بعد أكثر من يومين من تواجدهم على الأرض". وأضاف، لقد سقط في صفوفنا أكثر من عشر حالات اختناق وإصابة متطوع في رجله. وتمكنا من التعامل معها جميعاً بواسطة سيارات الإسعاف التي حضرت من النجدة الشعبية في النبطية، ومن مؤسسة معرف سعد، التي حضرت بمسعفيها وبجميع اللوازم الطبية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها