تحت عنوان " قمع الحرية النقابية جرم جزائي"، عقد مؤتمر صحافي في مركز المفكرة القانونية "للإعلان عن الحكم بتكريس الحرية النقابية ومعارضة حبسية لكل من تعرض لها". ويعتبر هذا الحكم سابقة قانونية، إذ ولأول مرة تستخدم المادة 329، والتي تنص على أن كل فعل من شأنه أن يعوق اللبناني عن ممارسة حقوقه أو واجباته المدنية يعاقب عليه بالحبس. فقد أصدرت القاضية المنفردة الجزائية في بيروت، رلى صفير، قراراً بإدانة شركة غراي ماكنزي ريتايل المستثمرة لمتاجر "سبينيس"، ومديرها العام في لبنان مايكل ستيوارت رايت، بريطاني الجنسية، بالجنح المنصوص عليها في المواد 329 و582 و584 من قانون العقوبات. واعتبرت القاضية صفير في قرارها أن الشركة المدعى عليها اتخذت إجراءات أدت لتعويق المدعين عن ممارسة حقوقهم النقابية. وحكمت على رايت بالسجن لمدة شهر، كما حكمت بإلزام الشركة ورايت بدفع مبلغ قدره أربعون مليون ليرة لبنانية على سبيل التعويض لكلًّ من المدعين الثلاثة: ميلاد فرج الله بركات، سمير يوسف طوق وإيلي جرجس أبي حنا. كما حكمت بتكبيد المدعى عليهما النفقات كافة.
حماية العمال
أتى هذا الإنجاز بعد أكثر من ست سنوات، قضاها عمال سبينيس المصروفون في مواجهة ضغوطات إدارة المؤسسة، وجهات أخرى. وكانت المواجهة قد بدأت بعد أن وجه رايت كتاباً إلى مدراء الفروع في متاجر "سبينيس"، يقضي بعدم تطبيق الزيادة على الأجور، التي نص عليها المرسوم الصادر بتاريخ 25-1-2012، والذي يحدد الحد الأدنى الرسمي لأجور المستخدمين، والعمال الخاضعين لقانون العمل، ونسبة غلاء المعيشة. ما دفع عدد كبير من العاملين في متاجر "سبينيس" لمطالبة الشركة بتطبيق الزيادة على الأجور. وكان من بينهم المدعين الثلاثة. بعدها عمل المدعيان ميلاد بركات وإيلي أبي حنا مع غيرهم من العمال على تأسيس "نقابة عمال سبينيس". لكن ووفق ما استند عليه الحكم، فإن إدارة الشركة اتخذت قرارات للضغط على المدعين الثلاثة، وصرفهم من العمل، ومحاولة منع العمال من إنشاء نقابة، رغم حصولهم على إذن من وزارة العمل. حيث عمدت إلى اتخاذ إجراءات كتخفيض ساعات العمل الأسبوعية، أو نقل العامل إلى فرع بعيد عن مكان إقامته، حتى صرفه من العمل.
في حديث إلى "المدن" يقول المحامي نزار صاغية، المدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية" والذي تابع القضية، أن حكماً كهذا لم يصدر سابقاُ عن القضاء اللبناني، لأن هذا النوع من القضايا لم يثر سابقاُ أمام القضاء. ويرى صاغية أن هذا الحكم يحمي العمال، سواء عملوا في "سبينيس" أو في بقية المؤسسات، في ظل عدم حماية وزارة العمل للعمال. والحكم يعيد بعض التوازن بين العمال وأصحاب العمل. يضيف صاغية "إن العمل النقابي في لبنان محصور وضيق، فأغلب النقابات توجَّه من الأعلى، أي من أشخاص إما يمثلون أصحاب العمل وإما الأحزاب. فالعمل النقابي انهار منذ بدأ الاتحاد العمالي العام بالتماهي مع السلطة".
يعتبر صاغية "قضية سبينيس منعطفاً مهماً، أظهر، ولأول مرة منذ انتهاء الحرب، كيف تنشأ نقابة بإرادة العمال أنفسهم. وأظهر حجم المواجهة التي تعرضوا لها، وحجم الضغوط التي مارسها أصحاب العمل مع السلطة السياسية بهدف ضرب النقابات. وقد خير العمال بين الصرف من العمل وبين الخروج من النقابة، ما دفع العشرات من العمال لتقديم استقالاتهم من النقابة، عبر أوراق استقالة جهزتها الشركة. فلم يبق في النقابة سوى من صرفوا من العمل ما عطل عمل النقابة".
حقوق الناس
خلال المؤتمر الصحافي انتقد صاغية أداء محكمة المطبوعات، وقال بأن القرارات الصادرة عنها تتعارض وقرار القاضية صفير. ويوضح صاغية أن محكمة المطبوعات تمسكت بظاهر الكلام، ولم تأخذ في أحكامها النية الحسنة للمتهمين أمامها ولا دفاعهم عن حق دستوري.
كما ألقى وزير العمل السابق شربل نحاس، أحد الذين عملوا للضغط على الشركة، بهدف تطبيق المرسوم وإعطاء العمال حقوقهم، كلمة تحدث فيها عن الضغوط الكبيرة التي مورست. يقول نحاس:" تدخل أصحاب المليارات لدفع الرشوة، ودفعوا مالاً أكثر بكثير من الذي يتوجب عليهم لو طبقوا مرسوم الزيادة. فقد دفعوا أموالاً لسياسيين وإعلاميين ومحامين لإيقاف هذه المواجهة". وتابع نحاس: "الموضوع ليس موضوعاً مطلبياً عادياً، هم فهموا بأنه موضوع يطال صلب السلطة القائمة في هذا البلد، ويهدف لإفقاد الناس الشعور بأن لديهم حقوقاً، لأن سلطة زعماء الحرب لا يجوز أن تهدد ولو بمطلب أو بمواجهة جزئية. وهم لم يروها جزئية ونحن كذلك. وما زال هناك جزر في القضاء يمكن أن ترد لنا الشعور بأننا لسنا محكومين بالهجرة والاستزلام والذل".
كلمة نقابيي سبينيس ألقاها سمير طوق، أحد المدعين، اعتبر خلالها أن الحكم يشكل سابقة يبنى عليها، وينتظرها ألفا موظف وكل اللبنانيين. مشيراً أن ما قبل الحكم ليس كما بعده. "فهو منطلق يوازي في مضمونه الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، حول العمل وحقوق العمال وحرية العمل النقابي. وهو إنجاز للإنسان ولحقوقه وكرامته". وأهدى طوق الإنجاز لعمال "سبينيس" في لبنان. ودعاهم للانتساب إلى نقابتهم، وتفعيلها، والنضال من خلالها للوصول لظروف عمل افضل.
الانتظار الطويل
يقول طوق لـ"المدن" أن الحكم جاء بعد انتظار طويل، وبعد مماطلة، وبعد تنحية القاضية الأولى التي تعاطت بالملف، بطلب من وكلاء العمال بعد إصرارها على تبليغ رايت شخصياً، ورفضها اعتبار تبليغ وكيله تبليغاً له، بينما اتخذت القاضية صفير موقفاً مختلفاً، واعتبرت تبليغ وكيل رايت أو أي شخص مقرب منه هو تبليغ شخصي له، وبالتالي يتوجب عليه الحضور إلى المحكمة كونها دعوى جزائية.
يرى طوق أن الحكم سيشكل رافعة للعمال، في حال تعرضهم لسوء معاملة، أو للحد من حريتهم النقابية. إذ أكد قدرتهم على اللجوء إلى القضاء.
يذكر المدعي أن المدعى عليهما قدما طلباً لاستئناف الحكم، للتخفيف من مضمونه أو إلغاء عقوبة السجن. لكن طوق لايتوقع أن يختلف القرار: "لأن المعطيات تجمعت خلال ست سنوات ولن يغيرها شيء، والمسألة قضية رأي عام وحقوق أشخاص، وعائلات تعرضت لسوء المعاملة ولأقسى أنواع الترهيب والترغيب".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها