الأحد 2018/08/26

آخر تحديث: 00:09 (بيروت)

مدرسة جوالة.. في باص

الأحد 2018/08/26
مدرسة جوالة.. في باص
يُقسم الأطفال إلى مجموعات وفق الفئات العمرية ومستوى تعليمهم
increase حجم الخط decrease

من المألوف أن يذهب التلاميذ إلى المدرسة ومخيمات الأنشطة الترفيهية في فصل الصيف. لكن المستغرب هو أن يجول باص تعليمي بين القرى والمدن الجنوبية والبقاعية ليحط في السهول وبين خيم اللاجئين من أجل إيصال التعليم والدعم النفسي- الاجتماعي لأطفال مهمشين ومحرومين من أبسط حقوقهم.

إنه الباص التعليمي أو الوحدة التعليمية النقالة، التي أطلقت فكرتها مؤسسة عامل منذ عام، حين وجدت خلال جولاتها وعملها على مدى سنوات في المناطق الحدودية والمهمشة ومخيمات اللاجئين صعوبة في التحاق الأطفال بالمدارس، بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعانون منها. فقررت مؤسسة عامل أن "تأتي بالمدرسة إليهم".

وما أن يطل طيف الباص الملون إلى مدخل مخيم مرج الخوخ للاجئين السوريين في منطقة الخيام الجنوبية، حتى يُحاصره الأطفال ويعلو التصفيق. ومن حماستهم للعب والتعلم، يأخذون على عاتقهم تفريغ محتويات الباص ليصبح نموذجاً مصغراً عن مدرسة في الهواء الطلق. فالباص التعليمي عبارة عن حافلة مُجهزة بالمواد التعليمية والترفيهية (كتب، ألعاب تعليمية، أقراص رقمية، قرطاسية، عدة أشغال يدوية، ألواح، كراسٍ وخيم، الخ...). وهو معدّ أيضاً لتقديم الاستشارات النفسية والجلسات العلاجية من خلال مشاورات فردية مع الأطفال. كما تتضمن الحافلة مقاعد وطاولات ومعدات عرض سينمائية.

يُقسم الأطفال إلى مجموعات وفق الفئات العمرية ومستوى تعليمهم. وينظمون في صفوف مع أساتذة للغة العربية والأجنبية والرياضيات ومنشط اجتماعي. يتلقون التعليم بطريقة غير اعتيادية وفي ظروف غير ملائمة. لكن دافع الأطفال وحبهم للتعلم يجعلهم ينتظرون مجيء الباص بمعدل مرتين أسبوعياً في فصل الصيف ويومياً في فصل الشتاء.

حين تتنقل بين المقاعد الموزعة في المخيم، يتهافت الأولاد لسرد قصص رسوماتهم، ويتلون عليك ما حفظوه من الحصة الدراسية. يحب الأطفال حصة اللغة العربية، ويكرهون اللغة الأجنبية. أما ساعة اللعب فـ"هي تنفيس للطاقة ومهاراتهم المتعددة".


"الحرية كل الناس تحبها"، بهذه العبارة تختصر منى الطويل فكرة عملها كمُدرّسة في باص عامل التعليمي. فالصف المكشوف في الهواء الطلق وبين الأشجار يعطي إحساساً بالحرية للأطفال ويجعلهم غير مقيدين بفكرة النظام الصارم في المدرسة. ما يجعل الأطفال تواقين لتلقي التعليم، وبشكل أسرع.

وتشير المعالجة النفسية والاجتماعية منى مرمل، التي ترافق الباص في جولته، إلى أن الصعوبة الكبرى التي يواجهها الأساتذة في التعاطي مع الأطفال هي تأقلمهم مع فكرة النظام والانضباط، وتقديرهم للوقت. إذ أغلب هؤلاء الأطفال لم يدخلوا يوماً إلى المدارس ولم يتلقوا أي نوع من التربية السلوكية والنظامية، التي تقع على عاتق المدرسة. إضافة إلى تأثير حياة اللجوء والفقر والعنف الأسري على تعاملهم مع الأساتذة والأطفال الآخرين. تضيف مرمل أنه رغم المشاكل المتعددة، فإن نسبة الاستفادة والتطور التعليمي لدى الأطفال يتحسنان بشكل تدريجي، نظراً لتعلقهم بفكرة الباص وأملهم بتغيير واقعهم.

يتفق الأساتذة على أن فكرة الباص التعليمي كسرت لديهم روتين عملهم في المدارس، وأصبحت مهنتهم تتسم بالصفة الإنسانية قبل التربوية، نظراً لمجهودهم المضاعف في هذه العملية التعليمية.

وتقول المسؤولة الإعلامية في مؤسسة عامل زكية قرنفل إن الاهتمام بالتعليم يحدد مستقبل الشعوب، في ظل وجود ملايين الأطفال العرب خارج التعليم الابتدائي، إضافة إلى ملايين المتسربين أو المهددين بالتسرب المدرسي. كل هؤلاء هم مشروع "للتطرف والعنف في المستقبل وعرضة لكثير من أنواع الانحرافات، في حال لم يتم إلحاقهم في برامج تعليم وتأهيل نفسي- اجتماعي في أسرع وقت". وهذا ما تحاول أن تقدمه مؤسسة عامل لنحو 600 طفل في لبنان. وتشير قرنفل إلى أن الفكرة التي انطلقت في الخيام استكملت بإطلاق باص آخر يجول في المناطق البقاعية، ويحط باستمرار في بلدة كامد اللوز.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها