الأحد 2018/03/25

آخر تحديث: 07:36 (بيروت)

الزعفران سيد البهارات.. لكنْ احذروا الغش

الأحد 2018/03/25
الزعفران سيد البهارات.. لكنْ احذروا الغش
تستلزم زهرة الزعفران شمساً صيفية ساطعة لكي تترعرع (Getty)
increase حجم الخط decrease

الزعفران مثل ابن سينا: إيراني المنشأ (ربما)، تركي الملجأ، عربي اللسان والمرفأ. نقول "ربما" إيراني الأصل لأن جذوره موضع جدل، كحال صاحبنا الحكيم الفذ. فثمة من يؤكد أن منشأ هذا البهار النفيس هو هضاب الأناضول، كابن سينا نفسه. على أي، مثلما نقل العرب معرفة ابن سينا وغيره إلى الغرب عبر الأندلس، نشروا الزعفران فيه عبر إسبانيا أيضاً. ومع الزعفران، "صدَّروا" أيضاً مفردته إلى اللغات الأوروبية. وجراء أهمية المرحلة الأندلسية في "السيرة الذاتية" للزعفران، تظل إسبانيا، ليومنا، أول منتجيه عالمياً. كما يشار بالبنان إلى جودة زعفران المغرب ولونه الأخاذ ومذاقه المتميز وعطره الفوّاح.

لكن، لماذا غالي الثمن، لندرته، بحيث استُخدم ماضياً للمقايضة وكأنه هشيم ذهب؟

بخلاف غيره من البهارات، التي تُجمع من ثمار النباتات أو جذورها أو قشور شجيراتها، يُستخلص الزعفران من سِمات مِدقة زهرة بصلية بلون بنفسجي بديع من فصيلة السوسنيات. والسـمات (مفردها سِمة) خيوط رفيعة في قلب الزهرة، وظيفتها استقبال اللقاح والطلح. وتلك الخيوط الرقيقة (وعددها 3 في كل زهرة زعفران) ضئيلة الوزن بالقياس، مثلاً، إلى جوزة الطِيب، التي يكفي بَرشُها للحصول على بهار الطيب بغزارة نسبية. والشيء نفسه مع جذور الزنجبيل وغيره من البهارات الجذمورية، وثمرة الفلفل العنقودية، وأعواد القرفة وأزرار القرنفل، وحبّات الكبابة والبرَكة والقافُلة (حبة الفردوس).

أما الزعفران، فيستدعي نفَساً طويلاً وصبراً جميلاً. فللحصول على كيلوغرام واحد منه، ينبغي جني 150 ألف زهرة بعناية وأناة. ما يستلزم 75 ألف شتلة بصلية، حيث لا تنتج كل شتلة سوى زهرتين في الموسم، تُقطف في أواسط تشرين الثاني. بعدها، يتحتم "تفليس" الزهرات واحدة فواحدة لنزع التويجات والأسْدِية (أو الأسداء، ومفردها "سداة"، الأعضاء الذكرية التي تنتج الطلح)، وعددها 3 أيضاً في كل زهرة زعفران. ثم يجرى تجفيف السمات، ما يفاقم خفة وزنها.

ذلك العناء يبرر غلاء الزعفران، ويفسر تفشي ظاهرة غشه من جانب بعض عديمي الذمة، الذين يخلطونه بمواد مشابهة لوناً وقابلية ذوبان في الماء، لاسيما العُصفر والكركم.
لكن، ماذا عن قيمة الزعفران الغذائية وفضائله الطبية؟ لنبدأ بخطأ شاع، لاسيما في الصين، مفاده أن الزعفران منشط جنسي. وما أكثر المنشطات، المفترضة أو الفعلية، في تقاليد بلاد العم كونفشيوس. وما أغرب بعضها: من مسحوق قرن وحيد القرن، إلى دم بعض الثعابين، مروراً بأعضاء النمر الذكرية ومخ القردة يؤكل نيئاً.. بذلك الكم من المنشطات، لا عجب أن تجاوز تعداد الصينيين المليار فاصلة كذا.

لكن الدراسات الجادة فندت ذلك الاعتقاد في صدد الزعفران. في المقابل، أثبتت أن له فوائد باهرة، منها:

- تقليص احتمال الإصابة بالتشنج العضلي.

- تسهيل الهضم ومرور الأغذية في الأمعاء.

- تهدئة آلام الاضطرابات المعوية والمغص وعسر الهضم.

- تقليل انبعاث الغازات في المعدة.

- تنظيم الدورة الشهرية وتخفيف آلام الطمث.

- خفض ضغط الدم بفضل مادة "كروستين" الموجودة فيه.

وتُدخل صناعات صيدلانية الزعفران في تركيبة أدوية لتنشيط القلب وطرد الديدان المعوية وتهدئة الأزمات العصبية وتنظيم الإدرار. كما تستعين به بعض مختبرات مستحضرات التجميل لإنتاج كريمات إزالة غشاوة العينين.

وإذ تستلزم زهرة الزعفران Crocus Sativus شمساً صيفية ساطعة لكي تترعرع، فتصير في الخريف زهرة بالغة قد أينعت وحان قطافها، فإنها تعاف الحرارة "الاشتوائية" في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية. لذا، لا تزرع في الربوع القائظة، بينما تنمو في مناطق معتدلة كجبال الأطلس المغربية ومرتفعات إيران والأناضول وبعض مرتفعات كشمير، وأيضاً شمال البحر الأبيض المتوسط: إسبانيا طبعاً واليونان وإيطاليا وجنوب فرنسا.

ففي القرون الوسطى، اكتسب الزعفران أهمية "لونية" بالغة لدى طهاة ملوك أوروبا وأمرائها لسبب بسيط: لم يعرفوا وقتها ثماراً وخضاراً كالطماطم والفليفلة بألوانها الزاهية. هكذا، وجدوا في الزعفران ضالتهم لصبغ الطبخات الباهتة بالأصفر البرتقالي، والبقدونس لتلوينها بالأخضر. وللتزيين بالأحمر، استعانوا بنبتات برية كالشنجار. يبدو أن مبدأ "العين تأكل قبل الفم" موغل في القدم. فطبق لذيذ ومُغذٍّ، إنما باهت اللون و"رثُّ" المظهر، قد لا يؤجج الشهية بقدر صحن مزركش متقن العرض، حتى وإن كان محتواه قليل الفائدة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها