الثلاثاء 2018/02/20

آخر تحديث: 11:51 (بيروت)

هذا هو أطول نفق في العالم

الثلاثاء 2018/02/20
هذا هو أطول نفق في العالم
تناوب على العمل في المشروع أكثر من 1200 مهندس وعامل (Getty)
increase حجم الخط decrease

في قلب الألب، أعلى سلسلة جبلية أوروبية، جرى العمل 15 عاماً على قدم وساق و... سفح، لحفر نفق عملاق يربط مدينتي ميلانو الإيطالية وزيوريخ السويسرية. فكان أن ولد نفق سان غوتار Saint-Gothard، بطول 57 كيلومتراً و100 متر، وتحت جبال يصل ارتفاعها فوق النفق إلى 2500 متر. عليه، فهو ليس أطول نفق في العالم فحسب، إنما الأكثر عمقاً أيضاً.

انتهى العمل في العام 2011، لكن لم يبدأ الاستثمار الفعلي للنفق سوى في 11 كانون الأول 2016. واختزلت المدة بين المدينتين من 4 ساعات وربع إلى ساعتين وربع. وباتت القطارات تسير بسرعة 250 كيلومتراً في الساعة.

لكن الأهم من السرعة، هو النتائج الإيجابية بيئياً والحدّ من التلوث والقضاء على الإزعاج الذي كانت تسببه طوابير الشاحنات المتنقلة بكثافة في المنطقة. إذ يتيح النفق تخفيف حركة الشاحنات من خلال تحويل النقل البري إلى خطوط السكك الحديدية.

فمنذ سنوات، يسعى الأوروبيون إلى تطبيق توجه جديد في النقل، يمكن تسميته "برحديدي". وبعد "البرمائيات"، ها هي "البرحديديات" تهلّ، ويمكن التكهن بمستقبل زاهر لها. ينصبّ هذا التوجه على تغيير مسار شاحنات النقل الكبيرة في المناطق بالغة الازدحام، بالتالي شديدة الاختناق والتلوث، نحو "عبّارات" مقطورة، مصممة بحيث تصعد الشاحنات عليها بسهولة، ثم تنزل ببساطة بعد انتهاء مسافة القطر.

لتلك الوسيلة فوائد كثيرة، أهمها، مثلما أسلفنا، تخفيف التلوث. لكنها أيضاً تتيح خفض حالات احتقان السير وفسح مجال أوسع لسيارات نقل الأشخاص الصغيرة، وتقليل تكاليف صيانة الطرق جراء تقليل مرور الشاحنات الثقيلة، الذي يؤدي إلى تآكل الطرق الخارجية.

إلى ذلك، يُرغم النقل "البرحديدي" سائقي الشاحنات على الاستراحة طوال مدة القطر. ويشكل ذلك الاسترخاء "الإلزامي" عاملاً إيجابياً في باب السلامة العامة. إذ من المعروف إحصائياً أن نسبة عالية من حوادث السير تنجم عن إرهاق سائقي الشاحنات. فلأسباب اقتصادية تتعلق بالمردودية والإنتاجية، غالباً ما يضطرون إلى العمل لفترات متواصلة طويلة، تبلغ أحياناً 20 ساعة في اليوم.

إلى ذلك، عولت حكومة بيرن الفيدرالية كثيراً على نفق سان غوتار لتحديث شبكة السكك الحديدية السويسرية. فسويسرا ليس لها منفذ على البحر، لذا يقتصر الاتجار معها على الوسائل البرية عبر جيرانها، خصوصاً إيطاليا وفرنسا. لكن شموخ جبال الألب فيها، وعلى الحدود مع جيرانها، لا يُسهل الأمر، ويستدعي تخصيص مبالغ طائلة للاستثمار في النقل البري والحديدي والآن... "البرحديدي".

نفق سان غوتار، الذي أنجزته شركات من ألمانيا وإيطاليا وسويسرا والنمسا، خصصت لحفره 10 حفارات أنفاق عملاقة، بلغ سعر كل منها نحو 20 مليون دولار. عكف المهندسون باستمرار على متابعة وتقويم مسارات الحفارات، ذات الثقب المطرقي، عبر شاشات الكومبيوتر، قابعين في صالة العمليات، في قلب الجبل. وكان العاملون يصلون إلى أمكنة الحفر بمصاعد سريعة تقلهم من أقرب فوهة فتحت في سفح الجبل فتنزل بهم بسرعة فائقة. في موقع سيردان، مثلاً، ينزل المصعد 800 متر نحو الأعماق خلال دقيقة و7 ثوان.

وخضع مكان العمل للإضاءة بالنيون والتكييف الدائم للحفاظ على درجة حرارة ثابتة: 28 مئوية. فلولا التكييف، لتجاوزت الحرارة 45 درجة مئوية بسبب ضغط الكتلة الجبلية ودوران محركات المكينات العملاقة.

وتناوب على العمل في المشروع، ليل نهار، أكثر من 1200 مهندس وعامل، قارعوا كتلة أرضية ذات "مزاج" جيولوجي متقلب. فلم يمرّ يوم من دون أن يتمخض الجبل، فيلد "فأراً" من معطيات جديدة لم تكن في الحسبان، لكنها، على ضآلتها، "قرضت" حسابات رياضية وفنية دقيقة أمضوا شهوراً لإتقانها. فأي خطأ بسنتيمتر واحد قد يؤدي إلى معضلات فنية كبيرة وخسائر مادية بالغة وهدر جهود أشهر.

جاء في "لسان العرب" لابن منظور: "لا يُقال نفقاً إلا إذا كان له مخرج، وإلا فهو شق". من ذلك المنطلق، يشكل نفق سان غوتار أنفاقاً عدة، إذ له مداخل ومخارج عدة، ويضم "شقوقاً" عدة. ونعني ممرات داخلية فرعية حفرت لأغراض أمنية وتقنية.

ولم تقتصر التقنيات العالية التي استخدمت في المشروع على المصاعد الضخمة والحفارات العملاقة والسيطرة على العمليات بالكومبيوتر وإنجاز المهمات الخطرة عبر أجهزة "الروبوت" المتحكم بها عن بعد. فهناك أيضاً تقنيات بالغة الدقة تعتمد أشعة الليزر، إضافة إلى أحدث طرق التفجير. ويظل الهاجس الأمني الشغل الشاغل لمهندسي أي نفق، الذين يحرصون على تأمين سلامة العاملين أثناء إنجاز المشروع من جهة، وسلامة سير القطارات والعجلات بعد الاستثمار الفعلي.

لكن النفق الأطول مستقبلاً سيربط هلسنكي وتالين، عاصمتي فنلندا وإستونيا. إذ سيبلغ طوله 103 كيلومترات. ومن المقرر بدء مرور القطارات والمركبات منه بدءاً من العام 2040، رغم أن انتهاء العمل فيه مقرر في العام 2026.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها