الأربعاء 2018/02/14

آخر تحديث: 00:14 (بيروت)

كيف نشتري الحب؟

الأربعاء 2018/02/14
كيف نشتري الحب؟
يجوب البائع في كافة أنحاء الحديقة من دون استسلام
increase حجم الخط decrease

في الحديقة الموازية لساحة النور في طرابلس، يجوب بائع البالونات بين المتنزهين. هذه المرّة، ترك كل الألوان في المنزل، واستعاض عنها باللون الأحمر وحده. رغم التعب الذي يطغى على ملامح وجهه الأسمر الذي تخطّه التجاعيد، يمشي متمسّكاً بالأشرطة التي تربط البالونات، كأنه غير مستعدٍ للتخلي عنها بعد، رغم اقتراب عيد الحب.

هذه البالونات الحمراء تنتظر دورها سنوياً لكي تترافق مع الهدية، أو كي تكون هي نفسها الهدية.

يجوب البائع في كافة أنحاء الحديقة من دون استسلام، بانتظار أن تتصيّد البالونات التي يرفعها قلوب العشاق. أو قلوب الذين لا يزالون يبحثون عن الحب. أو حتى قلوب الذين يريدون اعطاء الحب فرصة أخرى، بعدما غدر بهم أو غدروا به.

أخذت أتتبعه وأراقب خطواته، التي تدل على حزن عميق يسكنه. طلبت منه التوقف لكي ألتقط له صورة إلى جانب نافورة المياه. أردت أن أضيف بعض الحياة إلى وجهه. فرفع البالونات وابتسم، وفي ابتسامته لمعت حياة أُخرى، أجمل. ثم تابع طريقه.

لم يأبه إلى السبب الذي دفعني إلى التقاط صورة له. إذ ربما ظن أن هذا الأمر سيسعدني، فكيف له ألا يحقق طلبي الصغير، هو الذي اختار بيع السعادة على بيع أي منتج آخر؟ كل ما كنت أريده من هذه الصورة مشاركتها مع أصدقائي في عيد الحب. فعيد الحب هو عيد هؤلاء. عيد الذين ينتظرون هذا العيد لكي يكسبوا بعض الليرات لتأمين حاجاتهم الأساسية. هو عيد كل من يساهم برسم الفرحة على وجوهنا، التي سئمت من انتظار الحب بدون جدوى.

كنت أتمنى لو أنني اشتريت من البائع بالوناً أحمر وأهديته اياه. لكنه لن يعني له شيئاً. هو مجرّد بضاعة، مثله مثل الدباديب الحمراء التي تفترش الطرقات بحثاً عن عاشق ولهان.

عيد الحب هو اليوم الذي لا ينتظر فيه بائع البالونات العشّاق لكي يكسب رزقاً زهيداً من مشاعرهم. هو اليوم الذي يعود فيه البائعون إلى بيوتهم غير آبهين إذا بيعت البالونات أم لا، طالما أنهم ساهموا باضفاء القليل من الفرح على قلوب العشاق. لكن هذا لن يحصل طالما أننا تعوّدنا على وجوههم الحزينة بيننا في الطرقات.

هذا العيد، هو العيد الذي نشتري فيه وروداً لتذبل، وبالونات لكي يفرغها الوقت من الهواء. نشتري فيه دباديب لكي تحل مكان العناق الحقيقي، أو ربما لكي نكسر بوجودها إلى جانبنا بعض الوحدة. نشتري كثيراً لاعلان حبّنا وتمسّكنا بالشريك. لكن هذا كله ليس كافياً. فالحُب هو المنتَج الوحيد الذي فَرُغ من الأسواق.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها