الأربعاء 2018/12/19

آخر تحديث: 00:06 (بيروت)

الصناعيون وجرم تلويث الليطاني: صرامة قضائية غير مسبوقة

الأربعاء 2018/12/19
الصناعيون وجرم تلويث الليطاني: صرامة قضائية غير مسبوقة
تميزت الجلسات بحضور ممثلين عن الهيئات والمنظمات المدنية (المدن)
increase حجم الخط decrease
طغى التجهم على وجوه الحاضرين للجلسات التي عقدها القاضي الجزائي المنفرد في البقاع، طيلة يوم الثلثاء، في قصر عدل زحلة، للإستماع إلى أصحاب المصانع، المدعى عليها من قبل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، بتهمة التلويث وإلحاق الأذى بالنهر. حيث مَثَل في اليوم الأول للجلسات المحددة 36 ممثلاً عن المصانع المدعى عليها. من بين هؤلاء، النائب ميشال ضاهر، الذي أبرز وكيله الوثائق التي تؤكد اتخاذه إجراءات بيئية، تمنع التلوث الناتج عن معمله، على أن تستكمل الجلسات يوم الخميس المقبل، بالإستماع إلى عدد آخر من أصحاب المصانع ووكلائهم.

حضور المنظمات المدنية
وكان منسوب القلق لدى صناعيي البقاع قد إرتفع نتيجة لما برز من صرامة قضائية في التعاطي مع ملوثات المصانع، من خلال إقفال معمل ميموزا، وما رافقه من قرارات صدرت بتوقيف صاحبه خلال الأيام الأخيرة. وهو ما دفع أصحاب المعامل وفقا للملفات التي حملوها معهم، وتحت ضغط المساءلة والمحاسبة التي تعرضوا لها، للإستعجال بتجهيز معاملهم بالفلاتر، ومن لم يباشر بذلك استمهل وكلاؤه القضاء أياماً إضافية بذريعة دراسة الملفات.

وقد تميزت الجلسات بحضور ممثلين عن الهيئات والمنظمات المدنية، التي حرصت على أن تكون مشاركتها صامتة، حتى لا تتهم بالتأثير في الإجراءات القضائية. وهو ما أكدته للـ"المدن" أيضا باسم "المجتمع المدني" نعمة بدر الدين، التي لفتت إلى أن الطلب الأول من القضاء اللبناني هو أن يكون هناك تسريع بالمحاكمات، مبدية في المقابل ارتياحها للمواعيد التي حددت للجلسات المقبلة،  وأبعدها  في 31 كانون الثاني الذي حدد لإصدار الأحكام ببعض المعامل، ومعظمها حدد في 7 كانون الثاني  و16 منه، بعد إطلاع لجنة مكلفة من المحكمة على صحة الإجراءات التي أبرز أصحاب المعامل صورا ووثائق، تؤكد أنهم اتخذوها داخل مصانعهم للحد من التلوث المنبعث منها في النهر.

وإذا كان الهدف الأبرز لدور المراقبة الذي اتخذه المجتمع المدني، هو  أن لا تتكرر التدخلات السياسية والدينية التي رافقت النظر في قضية ميموزا، والتعامل مع هذه القضية كقضية وطنية تهم كل المواطنين، خصوصا أن معظم اللبنانيين متضررين من هذا التلوث، فإنه اعتبر أن  القضاء هو  أمام إمتحان كبير فيما يتعلق بهذا الملف، على أن تواكبه أيضا إجراءات مطلوبة من قبل الوزارات المعنية، وهي الزراعة، الصناعة، البيئة، الصحة، إضافة إلى وزارة الداخلية والبلديات، خصوصا أن هناك 71 بلدية لا تزال تصب مياهها الآسنة في مجرى النهر من دون حسيب أو رقيب.

تدابير فورية
لكن إذا كان القضاء قد أبدى موضوعية في التعاطي مع هذا الملف، وخصوصا لجهة الإستجابة للمهل التي أعطاها لأصحاب المعامل، من أجل إتخاذ الإجراءات البيئية المناسبة في معاملهم،  فإن ذلك لا يسقط جرم الضرر الذي لحق بالنهر، وفقا لما أكده أيضا وكيل الليطاني الذي أشار بدوره إلى إدعاءات إضافية قدمت بحق سبعة مصانع في بعلبك، إضافة إلى المصانع المدعى عليها في البقاعين الأوسط والغربي.. مشيراً إلى أنه من الواضح أن المصانع المدعى عليها تحاول تسوية الوضع، ولكن الجرم تم إرتكابه، ولا يزال مستمراً في قسم كبير منه، لذلك تقدمنا بطلبات إقفال المصانع الملوثة فوراً، لأنه من غير المنطقي أن يغض النظر عن إستمرار الملوثات الناتجة عن المعمل خلال المدة التي قد تستغرقها المحاكمات.  وإذا لم تقفل، أقله إلزام هذه المعامل بإتخاذ تدابير فورية. ومن هنا، كان طلب المعامل التي سوت وضعها مباشرة، بتعيين خبراء للكشف على التدابير التي اتخذتها لوقف التلوث.

وإذا كان يسجل في مجرى هذه المحاكمات أن يكون جميع الملوثين قد تبلغوا بالإدعاءات، على رغم الفترة القصيرة التي فصلت تحديد موعدها عن الكشف الذي خضعت له، كما يسجل حرص المصلحة الوطنية لنهر الليطاني على حق الدفاع، تداركا لأي حكم جائر قد يصدر بحق المعامل، فقد سجل المدعى عليهم ملاحظات عديدة، وأبرزها أن قسماً كبيراً منهم لم يكن يعلم بالإجراءات الإضافية المطلوبة في معمله، والذي يلتزم بالشروط المحددة من قبل وزارة البيئة. أضف إلى أن الكشف، كما المحاكمات، لم تطل حتى الآن سوى المعامل المرخصة، فيما يمكن في البقاع تحديدا إحصاء عدد كبير من المصانع المخالفة، وغير المرخصة، والتي لم تطلها أي إجراءات قانونية.

نظرية المؤامرة!
ومع ذلك سلم أصحاب المعامل لهذه التدابير، وأبدوا رغبة بالتعاون الكامل تحت ضغط الرأي العام، الذي لا يبدو حتى الآن في صفهم، بل يواجهون  أصابع اتهامه لهم بالتسبب بالأمراض الناتجة عن تلوث الأنهر، ولا تعفيهم من ذلك "منة" تشغيل اليد العاملة بالعشرات ولا حتى بالمئات. 

ولكن ثمة إعتقاد سائد في المقابل بأن المجتمع المدني لم يتحرك تلقائيا لمواكبة مسألة تعقب المصانع الملوثة، وأن هناك أياد "خفية" تحركه لإلقاء اللوم على القطاع الخاص، والتعمية عن التقصير الحاصل في موضوع معالجة الصرف الصحي المنزلي، على رغم الكلفة الهائلة التي كبدها لخزينة الدولة.. وإلا، كما يقول النائب ميشال ضاهر للـ"المدن"، ما معنى أن يتم التركيز على المعامل، فيما أغلب التلوث في الليطاني هو من الصرف الصحي المنزلي؟ وهناك واجب على الدولة بأن تؤمن البنية التحتية اللازمة لمعالجته. معتبراً أن هناك محاولات تجري لتغطية التقصير الرسمي، وتحويل النظر إلى ملوثات المصانع، والتي بالتأكيد تحتاج إلى حل، ولكن ليس بهذه الطريقة. فنحن مع البيئة حكماً، ولكننا لا نريد أن نخسر فرص العمل.  ويجب أن نتذكر، بعقل بارد، أن المشكلة عمرها أكثر من 30 سنة. وهناك في كل دول العالم شيء إسمه "الصرف الصناعي" غير متواجد في لبنان.

ويدعو ضاهر إلى مزيد من العقلانية في الحلول، والى إمهال المصانع الوقت اللازم، لأن المشكلة لا تحل بالطرق الشعبوية، وبإذلال الصناعيين.. قائلاً: نريد جهة واحدة نتعاطى بها في هذا الملف، ومطلوب طاولة مستديرة لوضع الخطة المتكاملة لحل هذه المشكلة، متسائلا كيف تعطي وزارة الصناعة للصناعيين مهلا حتى سنتي 2019 و2020 لتسوية أوضاعهم، ولا يكون هناك إحترام لهذه المهل. ثم أليس من المنطقي أن تكون الجهة التي أعطت الترخيص للمعامل هي التي تلجأ لسحبها؟ فأين دور وزارة البيئة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها