الثلاثاء 2018/12/18

آخر تحديث: 00:18 (بيروت)

قضية "ميموزا": ما دخل البطريرك والطائفية والنواب؟

الثلاثاء 2018/12/18
increase حجم الخط decrease
أشعل موضوع توقيف مدير عام مصنع "ميموزا"، وسام تنوري، من قبل النائب العام البيئي في البقاع، ومن ثم إخلاء سبيله في الليلة نفسها، بناء لقرار قاضي التحقيق، مواقع التواصل الإجتماعي، التي شنت هجوماً واسعاً على القضاء، وعلى نواب المنطقة، وحتى على موظفي معمل "ميموزا"، والتي اتهمتهم بالتأثير في القرارات القضائية، وصولا إلى تسييس المسألة، وتطييفها، صونا لمصلحة الجهات الرأسمالية، على حساب الصحة العامة.


باسم لقمة العيش
ووضع في هذا الإطار، توجه ثلاثة من نواب زحلة إلى قصر عدل زحلة بالتزامن مع الإستماع إلى تنوري من قبل قاضي التحقيق، إلى جانب قيام الأخير بزيارة إلى بكركي على رأس وفد من أبناء بلدته، في محاولة لإظهار "الهجمة" على معمله، وكأنها استهداف "للقمة العيش الزحلاوية"، والتي تتطلب تدخلاً من أعلى المرجعيات الدينية المسيحية، الأمر الذي يضع الأمور في غير نصابها الحقيقي، خصوصاً أن زحلة التي قيل أن لقمة عيش أكثر أبنائها هي المهددة نتيجة لإغلاق المعمل، كانت ولا تزال أول المتضررين من التلوث البيئي المزمن، الذي تسبب به تسليط مياه المصانع القائمة في قاع الريم، وأولها ميموزا على مجرى نهرها، وأيضا بسبب تحكم صاحب المعمل، والبلدية التي يرأسها، بكمية المياه الخارجة من أرضه، ومنع إيصالها بالكميات اللازمة للحاجات المنزلية في المدينة.

على أن تطييف المسألة لم يقتصر على الجهة المتضررة من إقفال المعمل، إنما كاد يتسبب بشرخ داخل الجسم القضائي بحد ذاته، مع صدور بيان عن "حقوقيي تيار المستقبل"، يتهم فيه النيابة العامة بالبقاع بمحاولة سلب صلاحيات القضاة السنة، ووضعها في مكان آخر، وذلك في اعتراض على القرار المناقض الذي اتخذه قاضي التحقيق لقرار النائب العام البيئي، والذي سمح بإخلاء سبيل تنوري بكفالة مالية، بعد ساعات فقط من توقيفه من قبل القاضي البيئي.

خطوة النواب الناقصة
وفيما يُرتقب أن يعقد مجلس القضاء الأعلى مؤتمراً صحافياً، يوم الثلثاء في 17 الجاري، يشرح من خلاله ملابسات التحقيقات التي سمحت بتخلية تنوري، تزامنا مع تحويل هذا الملف وما شابه من إتهامات للقضاء، إلى التفتيش القضائي، للتأكد من الضغوط والتدخلات والحمايات والتطييف الذي رافق التحقيق مع تنوري.. علمت "المدن" أن مجلس القضاء سيؤكد في شرحه لما جرى يوم الجمعة الماضي، على قانونية كل الخطوات المتخذة، وأنه لم يأت تحت أي ضغط من النواب أو من الشارع، وإن اعترف بالمقابل بأن دخول النواب إلى قصر العدل بالتزامن مع التحقيقات الجارية مع تنوري، جاءت خطوة ناقصة من قبلهم، وكانت نتيجة خطأ ارتكبته القوى الأمنية المولجة أمن القصر، وإنه لم يكن مرحباً بهم حتى من النائب العام الإستئنافي منيف بركات، الذي ذكر أن رده على النواب الذين حاولوا التدخل بالقضية جاء قاسياً جداً، وأنه لم يعلم بدخول هؤلاء إلى قصر العدل في محاولة لإظهار شعبيتهم. ولو علم لما سمح بذلك.

ولا ترى المصادر أي ثغرة في حمل ملف التخلية إلى منزل النائب العام للتوقيع عليه، خصوصا انها لا تشكل سابقة، وقد استندت إلى مسوغات قانونية، تجعل إبقاء تنوري محتجزا من يوم الجمعة إلى الإثنين حجزا لحريته. مشيرة إلى أن النائب العام الإستئنافي كان يفضل تأجيل إستدعائه للتحقيق إلى يوم الإثنين، خصوصا أن المعمل الذي يشتبه أنه تسبب بإصطباغ النهر أقفل نهائيا منذ يوم الأربعاء، ما يعني أن أي ضرر بيئي يمكن أن ينتج عنه قد توقف كليا. أضف إلى أن نتائج التحليلات على العينات التي أُخذت من المعمل، لم تصدر بعد، للتأكد مما إذا كانت ملوثات كيمائية أم مجرد صبغة كما يدعي صاحب المعمل، الذي ادعى بدوره على مجهول بافتعال عمل تخريبي مقصود، خدمة لشركاء سابقين له، هناك شكاوى قضائية عالقة معهم.

النائب عقيص والمزايدة
مع ذلك، تؤكد المصادر القضائية بأن القرار لم يكن متساهلاً مع صاحب المعمل، لأنه ألزمه بعدم السفر، وفرض عليه كفالة مالية عالية، وحدد له جلسة استماع ثانية يوم الخميس المقبل في 19 كانون الجاري، ريثما تكون قد صدرت نتائج التحليلات.

وفيما يلتزم النائب العام الاستئنافي، من جهته، بموجب التحفظ الذي يمنع عليه الإدلاء بأي تصريح، تؤكد المصادر القضائية، أنه تصرف وفقا لصلاحياته، ولم يتأثر بالتجمعات ولا بأعمال الشغب ولا بالنواب، الذين تُعتبر خطوتهم "الناقصة" هي التي ساهمت في تشويه الصورة العامة.

في المقابل ينفي النائب جورج عقيص، الذي كان واحداً من الذين توجهوا إلى قصر العدل، بأن يكون قد تواصل مع أي قاض للتأثير على توجه القرارات القضائية. وأكد "أن ما استفزني أن يكون هناك ناس بحالة غضب، ولا أحد يقف على خاطرهم، سواء كانت القضية التي تزعجهم محقة أو غير محقة".

إلا أن عقيص الذي كان أول من تحدث عن ملاحقات أشد ضراوة تلحق بالمعامل الموجودة في زحلة ونطاقها، من تلك الموجودة خارجها، رفض في المقابل تطييف هذه القضية، وقال أنه ليس بوارد إفشال إدارة تحاول تحقيق إنجاز في الدولة، و"إنما المزايدة والاستعراض الذي يحصل مرفوض ويزيدنا ريبة. فنحن لا نريد أن تتلكأ المعامل وتتمترس خلف العمال ومصالح العمال ولقمة عيشهم، ولكن أيضاً لا نقبل أن تتمترس إدارات الدولة المعنية خلف الرأي العام الغاضب من التلوث لتصدر قرارات استنسابية وعشوائية، ليست دائما مدعومة بالنصوص القانونية". معتبرا انهم "إذا أرادوا أن يبدأوا بتطبيق القانون في زحلة الحاضنة للقانون فلا مشكل، فالمسيحيون لطالما كانوا مثالاً للالتزام بالقانون، ولا مشكل لدينا أن نمتثل للقانون ولكن شرط أن تكون الاجراءات معقولة والنصوص القانونية والإدارية والتنظيمية محترمة بحذافيرها، وأن تستمر الحملة بمناطق أخرى أيضاً، مؤكداً أن الضغط الذي يمارس على قضاء زحلة ليس بالوتيرة نفسها في باقي المناطق".

بلدية زحلة
إلا أن ما لا يمكن التعامي عنه في المقابل، هو أن زحلة "المسيحية" هي أول المستفيدين من رفع التلوث عن بردونيها بملوثات المعامل، التي قيل أنها تُضطهد كونها مسيحية!

وعليه يبادر رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب، عند الحديث عن "الضرر غير المطاق" الذي ألحقه التلوث الصناعي بمياه النهر للإشارة إلى أنه "ستة أيام فقط مرت على توقيف معمل "ميموزا" في مرتفعات بلدة قاع الريم، وكانت كافية ليستعيد نهر البردوني نقاوة لم يسبق لها مثيل"، غير آبه بالإتهامات التي وجهت إليه بالتسبب بإغلاق المعمل، وتشريد أكثر من 800 عائلة، تخاف من مصيرها إذا استمر المعمل مغلقا، مؤكداً أن تهمته الوحيدة التي لا يخجل بها، هو أنه نجح بعد سنوات من الشكوى من ميموزا وما تتسبب به من ضرر بيئي، من القبض عليها هذه المرة متلبسة. داعيا صاحب المعمل في المقابل إلى الإلتزام بالحقوق الكاملة لموظفيه.

ويصر رئيس البلدية في المقابل على انه ليس مع إقفال المعمل نهائيا، ولكن على صاحب المعمل أن يشغل فلاتر المعمل بشكل متواصل، إنطلاقاً من مسؤوليته تجاه بلدته أولاً، وتجاه عمال معمله وتجاه جيرانه.

ولا يبدو زغيب في المقابل راضياً كلياً عن التطرف في الإجراءات التي تلجأ إليها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، والتي يعتبر أن بعضها غير محق، لأنه يمس بسمعة معامل لا شبهة في أدائها.. وبرأيه، أن السلطة المخولة بمتابعة ملف التلوث يجب أن تكون محصورة بوزارة البيئة. لأنه لا يجوز لمصلحة الليطاني أن تقصر بمسؤوليتها طيلة 30 سنة، ومن ثم تستيقظ على "قطع رقاب" للصناعات الملوثة، خصوصا أننا نتحدث هنا عن اقتصاد وناس تعتاش من العمل بالمعامل، وبالتالي يجب برمجة الأمور للخروج تدريجيا من نتائج التقصير، مع إعطاء المهل اللازمة لأصحابها".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها