الأربعاء 2018/12/12

آخر تحديث: 00:08 (بيروت)

زحلة تستيقظ على نهر البردوني مسموماً.. أسود اللون

الأربعاء 2018/12/12
increase حجم الخط decrease
تبدل لون نهر البردوني، الذي يشق مدينة زحلة، بدءا من مرتفعات بلدة قاع الريم، يوم الثلثاء في 11 كانون الحالي، ليستيقظ أبناء المدينة على لون أسود يشق ضفتيها، في مشهد بات متكررا منذ سنوات عديدة.

يكاد الخبر يمر برتابة للوهلة الأولى، خصوصاً أن اللون الأسود هذه المرة، كان قد سبقه قبل أسابيع فقط تلون النهر بالأحمر، وقبله بألوان مختلفة، ما أوقع أبناء المدينة أنفسهم في حالة ملل يائس، جعلتهم يهملون الشكوى لدى المراجع المختصة.

المعمل المتهم
إلا أن التفاصيل التي رافقت محاولة "القبض" عن مصدر التلوث هذه المرة، والتي باشر بها مراقبون من وزارتي البيئة والصناعة ومن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، جعلت "الشبهة" تتجه مجدداً إلى معمل لإنتاج المحارم الورقية في مرتفعات بلدة قاع الريم، كانت مصلحة الليطاني قد نوهت سابقا أنه يقوم بمعالجة أولية تسمح بتخفيف التلوث، ولكنه لم يراع كلياً التزام المقتضيات البيئية، ما يضعه تحت مراقبة دورية، للتحقق من تكريره المياه المبتذلة، الخارجة من عملية التصنيع بالشكل اللازم.

اعتاد الزحليون عموماً أن يوجهوا أصابع الاتهام إلى هذا المعمل، كلما تلوّن بردونيهم بالملوثات. إلا أنهم لم ينجحوا في أي من المرات أن يثبتوا الإدانة. وعليه، بقي المتهم بريئاً منذ عقود طويلة، إلى أن بدأت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تعد اللوائح بأسماء المصانع الملوثة لليطاني، وكان إسم الشركة المعنية واحد من تلك التي على "رأس الليستة".

وعليه، كان طبيعياً عند بروز اللون الأسود في نهر البردوني، أن يتوجه فريق المراقبة التابع لمصلحة الليطاني إلى معمل الورق مباشرة. ولكن المعمل الذي نال شهادة حسن سلوك شفهية ومتلفزة،  قبل أشهر قليلة، من وزير الصناعة، خلال زيارة تم إعداد السيناريو المناسب لها، لتظهر كـ "مداهمة"، رفض هذه المرة استقبال مندوبي مصلحة الليطاني مباشرة. وامتنع القيّمون عليه عن فتح مخارج المياه الآسنة المتدفقة منه أمام المراقبين. ما دفع بالمصلحة لطلب مؤازرة الشرطة القضائية، التي عاد عناصرها وواكبوا مراقبي المصلحة، في عملية أخذ العينات من المعمل، ولكن بعد نحو ساعة من محاولتهم الأولى.

البحث عن المصدر
نجحت فرق المراقبة، التابعة للجهات الثلاث، من أخذ العينات من مصدرين مختلفين في المعمل، بعدما ثبت لهم صاحب المعمل، وهو أيضا رئيس بلدية قاع الريم، وسام التنوري، أنه يقوم بتشغيل محطة التكرير التابعة لمعمله، مدعياً أن المياه السوداء، التي شوهدت متدفقة من تحت معمله مباشرة، هي من خط جر أساسي للمياه الآسنة المتدفقة من مرتفعات البلدة، والتي قال أنه لم يتم وصلها بعد بالشبكة الأساسية، المتجهة إلى محطة التكرير، التابعة لمدينة زحلة وجوارها، متراجعا عن تصريح سابق، كان قد أفاد به مصلحة الليطاني، حول اكتمال وصل كل شبكة المجارير بخط الجر الأساسي.

لم يقتنع مندوبو مصلحة الليطاني خصوصا، فطلبوا من رئيس البلدية اصطحابهم إلى حيث يشتبه أن يكون التلوث ظاهراً في خط المجارير، فتوقف عند ساقية للمياه الشتوية، ذكر تنوري أنها تشكل أيضاً منفذاً للمجارير. إلا أن الكل لاحظ بداية أن المياه المتدفقة فيها نقية كنقاوة مياه الأمطار، التي بدأت بالهطول، إلا أن بدأ لونها يتبدل فجأة وتحول أسود قاتما.

وفيما كان رئيس البلدية يحاول أن يثبت وجهة نظره، عن إمكانية افتعال أحدهم اللون الأسود لأغراض مشبوهة، قرر صحافيون مع مراقبين من مصلحة الليطاني، تعقب مصدر اللون الأسود، وإذا بهم ينجحون برسم خط واضح بين جزء من الساقية نقي نقاوة المياه، وجزء متلون فعلا بالصبغة السوداء.

هل من نهاية سعيدة؟
لم تقنع الحادثة مراقبي مصلحة الليطاني، خصوصا ان كمية الدفق عند نقطة الاشتباه التي حددها رئيس البلدية تكاد لا توازي عشر كمية تدفق المياه المبتذلة من النقطة المجاورة لمعمله، وبعد أن عجز المراقبون في الوصول إلى موقع يثبت إدعاءات رئيس البلدية، بأن تكون المياه المتدفقة هي فعلا من مجارير المنازل، غادرت الفرق المراقبة، ليتوجه موظفو مصلحة الليطاني إلى معهد البحوث العلمية، حيث أودعوه عينات المياه التي أخذت من أكثر من مصدر، والتي وحدها يمكن أن تحدد مصدر التلوث، ما إذا كان صناعيا كما اشتبه المراقبون، أو منزلياً كما أصر رئيس البلدية.

فهل يكتب لهذا التحرك السريع للأجهزة المعنية، نهاية سعيدة لمأساة البردوني مع الملوثات المسلطة عليه، أم أنها تبقى شاهداً آخر على منطق الإستقواء، الذي حمى مرتكبي الجرائم البيئية بحق الأنهر من الملاحقات القانونية؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها