الثلاثاء 2018/12/11

آخر تحديث: 00:13 (بيروت)

بلدية بعلبك ومبنى المحافظة: الصفقة أقوى من القرار الحكومي

الثلاثاء 2018/12/11
increase حجم الخط decrease
ما زالت قضية اعتراض أهالي مدينة بعلبك على بناء مركز محافظة بعلبك – الهرمل، في أعالي جرود بعلبك، تتفاعل. فرغم وجود القرار 34 الصادر عن مجلس الوزراء في العام 2001 بإخلاء ثكنة غورو (التي تتألف من ثلاثة  عقارات) من المهجّرين، وتحويلها إلى سراي حكومي للمحافظة، بعدما تنازلت عنها وزارة الدفاع لصالح مديرية الشؤون العقارية، دائرة أملاك الدولة الخاصة، تصرّ البلدية الحالية لبعلبك على تجاوز القرار الوزاري، وبناء المركز في أعالي الجرود، حيث تملك البلدية العقارين رقم 9 والعقار رقم 11.

وحسب ما يقول أبناء المنطقة، تعتزم البلدية شراء العقارات المحيطة لتأمين المساحة المطلوبة. علماً أنّ مالكي هذه العقارات مقربون من الجهة التي أصدرت القرار، في البلدية، بعدما خضع للتصويت، واعترض عليه تسعة أعضاء انسحبوا من الاجتماع، وصُدّق بموافقة 12 عضواً. وفي التفاصيل اعترض الأعضاء الموالون لحركة أمل وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، بينما مضى بقية الأعضاء الموالين لحزب الله بهذا المشروع.

ثكنة غورو
أما اعتراض الأهالي فمردّه ليس إلى الصفقات المشبوهة، التي ستمرّرها البلدية بحجة شراء العقارات، وما يتبعها من استملاكات وتلزيمات، لشق الطرقات وتنفيذ البنى التحتية اللازمة، بل أيضاً لكون المنطقة المزمع إنشاء مبنى المحافظة عليها تبعد نحو 20 دقيقة بالسيارة عن مدينة بعلبك، وتقع في منطقة خالية من السكان، ووعرة. في هذا الإطار يشير رئيس "جمعية الفداء لبعلبك" حسين الصلح في حديث لـ"المدن"، إلى أنه عوضاً عن تنفيذ قرار مجلس الوزراء لجعل ثكنة غورو مركزا للمحافظة، أصدرت البلدية قراراً بالأكثرية، وتريد أخذ موافقة وزارة الداخلية عليه، لا سيما أن تحديد مكان بناء المقرات الحكومية للمحافظة، ليس من صلاحيات المجلس البلدي، بل وزارة الداخلية حصراً. وبينما ثكنة غورو تقع في قلب المدينة وتبعد عن السوق التجاري والقلعة نحو مئتي متر فقط، ما يمكّن المواطنين من إنجاز معاملاتهم بسهولة، تمضي البلدية بهذه الصفقة، رغم كل ما سينتج عنها من هدر وإنفاق على الاستملاكات والتجهيزات، ستقع على كاهل الدولة والمواطنين.
فالثكنة بوضعها الحالي تصل مساحتها إلى نحو ستة وعشرين ألف متر مربع، وتضم ثلاثة مبان، وتحتاج إلى الترميم وحسب. ما يعني تخفيف الأعباء بشكل كبير، قياساً بشراء العقارات وإنشاء المباني، وشق الطرقات ومدّها بالبنى التحتية الضرورية.

تورّط حزب الله
أما حجة وجود المهجّرين داخل الثكنة فتُضمر، هي أيضاً، صفقة كبيرة حسب الصلح. في السابق كان عدد المهجرين لا يتخطى مئتي عائلة. لكن البعض عمد لاحقاً إلى بناء المساكن فيها، وبدأ يؤجرها للاجئين السوريين، وللاستثمار الخاص، لنيل التعويضات من وزارة المهجرين، إذ وصل العدد حالياً إلى نحو ألفي عائلة داخل الثكنة.
بات حزب الله مُحرجاً بدعمه لقرار البلدية، بإنشاء المبنى الجديد، الذي صادق عليه الأعضاء الاثنا عشر، خصوصاً أنّ نوابه وافقوا على قرار مجلس الوزراء الصادر في العام 2001. كما أنّ أبناء المنطقة لا يُخفون وجود صفقة في قضية المهجرين، عبر رفع عددهم لتحويلها إلى قضية، لها أكلاف كبيرة على الدولة لتسوية وضعهم. وبالتالي، بدأت تتصاعد قضية حل مشكلة المهجرين، وصعوبة إيجاد حلّ لها، رغم وجود قرار بإخلاء الثكنة منذ 2001، والتعويض على المهجرين بمبلغ قدره مليون ونصف مليون دولار. وفي هذا الإطار، يقول رئيس بلدية بعلبك السابق غالب ياغي إن عدد المهجّرين كان نحو ستمئة عائلة في العام 2001، وكان رقماً مضخّماً، عندما أصدرت الحكومة قرار الإخلاء وخصصت العقار رقم 107، في منطقة بعلبك العقارية للجيش اللبناني لبناء ثكنة عسكرية عليه. وبعيداً عن حقيقة نسبة المهجّرين الفعليين حالياً لا تتخطى عشرة بالمئة من إجمالي عدد المقيمين، والذي ارتفع بقدرة قادر إلى ألفي عائلة، إلّا أن البعض بدأ يهوّل على الناس بأن عدد المهجّرين يفوق الستة آلاف عائلة، في نوايا مبيّتة لجعل قضيتهم مكلفة جداً على الدولة.

نيو بعلبك
إضافة إلى افتعال مشكلة المهجّرين، عمل البعض على الترويج لفكرة أن مركز المحافظة في ثكنة غورو، في قلب بعلبك، سيكون محاطاً بأكثرية سنية وأقلية شيعية، بالتالي نقله إلى أعالي الجرود سيجعله في منطقة محايدة، ما يتناسب مع "اللوك" الجديد لمدينة "نيو بعلبك". وبالتالي، لجأ البعض إلى إشاعة الإغراءات بين أهالي المنطقة، بأنّ تحويل الجرد مركزاً للمحافظة، سينعش المنطقة المزمع إنشاؤها، أي "نيو بعلبك".

وعدا عن كون هذا الاستثمار يقتل الوسط التجاري للمدينة ويحدث تغييراً عمرانياً وهندسياً، على حساب الإرث الثقافي، لمدينة تملك معلماً من أهم معالم الامبراطورية الرومانية، لصالح عقلية "البيزنيس"، لا تخلو الصفقة أيضاً من صفقات أخرى تعقد مع بعض المطوّرين العقاريين، للاستثمار في الأراضي الزهيدة الثمن حالياً، إذ أن شق الطرقات، ومدّ المنطقة الجردية بالبنى التحتية، سيؤدي إلى رفع أسعار الأراضي. وحسب ياغي "بدأ العديد من الأشخاص بشراء العقارات هناك. هذا فضلاً عن كون معظم عقارات الجرد تعود ملكيتها لأشخاص موالين لرئيس البلدية الحالي وجماعته".

صراع خفي
ثمّة صراع خفيّ بين حركة أمل وحزب الله يدور رحاه حول مبنى مركز المحافظة. فتصاعد انتقاد الأهالي لحزب الله، يقابله انتقاد مبطّن من رئيس البلدية لأمل من دون أن يسمّها. ففي تعليق على اعتراض الأهالي، لفت رئيس بلدية بعلبك، حسين اللقيس: "يُطلب من البلدية إيجاد عقار لمبنى المحافظة، لتخصيصه منذ ست سنوات. ولم يأخذ أحد القرار، رغم وجود مبلغ ستة ملايين دولار في مجلس الإنماء والإعمار لهذه الغاية. وفي ما يتعلق بثكنة غورو فهي تقع في منطقة الإرث الثقافي، ويمنع البناء فيها، وسورها يشكل جزءاً من سور القلعة والمدينة القديمة، وموقعها ملاصق أيضاً للبساتين، وهي أرض زراعية. كما يوجد فيها ثلاثمئة عائلة مهجّرة، تنتظر تسوية أوضاعها. فضلاً عن أنّ الدخول إليها يحتاج إلى استملاكات لهدم المباني، خصوصاً أن الطريق ضيقة ولا تتّسع لمرور السيارات".
يضيف اللقيس: "البديل الآخر، والذي يعتبر مثالياً، هو عقار قرب ثكنة الشيخ عبدالله، يرفض الجيش اللبناني تسليمه، رغم مناشدات نواب المنطقة ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي أرسل خبراً بضرورة صرف النظر عن العقار. وفي ما يتعلق بالبديل الثالث، في منطقة الكيّال، فهو يقع قرب مكب للنفايات، ويفصل بينه وبين بعلبك منطقة زراعية، وعلى مقربة من منطقة تتّصف بالإشكاليات الأمنية وخلافات العشائر، ولا يقبل بها أحد إلا الوزير غازي زعيتر، لكون منزله قريب من المكان. وهذا يسري على البديل الرابع في منطقة تلّ الأبيض، إذ يقع قرب مكب للنفايات ومنطقة تتّسم بصراع العشائر".

إلى الجرد 
فيما يتعلق بمنطقة الجرد، حسب اللقيس، فقد كان الأمر بحاجة لتقديم اقتراح من البلدية، كي تأخذ الأمور الإجراءات الرسمية إلى بقية الإدارات، للكشف على المكان إذا كان مناسباً، وهذا ما حدث. لكن لحدّ الآن، اقتصر الأمر على الإقتراح المقدّم من قبل البلدية، وما زال هناك تداول مع المعترضين لإقناعهم. وفي حال أقنعوا البلدية بخيارات بديلة فستسير بها. فالبلدية تملك عقارين في تلك المنطقة وأحدهما تبلغ مساحته خمسة آلاف متر مربع، والآخر ثلاثة وثلاثين ألفاً. لكن تبيّن، بعد الفحص التقني للمنطقة، أن هذا الأخير غير صالح، والأول مساحته صغيرة، ويوجد تلة تفصل بينهما، تعتبر مناسبة جداً. والبلدية لم تكن على علم بمالكي تلك العقارات، التي تبيّن لاحقاً أنها تعود لمصطفى الحسيني، إذ أدىّ التفاوض معه إلى الإكتفاء بطلب عشرين دولاراً للمتر الواحد فقط. وعدا كون استملاكها يوصل عقارات البلدية ببعضها البعض، فهي قريبة من المناطق السكنية، حيث التمدد العمراني الحديث والطبيعي للمدينة، أو ما يعرف بنيو بعلبك. هذا فضلاً عن مرور الأوتوستراد الدائري المزمع شقّه حول مدينة بعلبك، بالقرب من هذا العقار، والذي وضع حجره الأساس الوزير زعيتر، عندما كان وزيراً للأشغال. ما سيجعل مبنى المحافظة سهل المنال للجميع في حال تقرر بناءه هناك.

صفقات وأملاك
ورداً على ما يردده الأهالي بأنه صفقات مشبوهة، أكّد اللقيس على عدم امتلاكه لأي قطعة أرض في الأرجاء. وحتى أقرباؤه، ليسوا ملاكين في هـذه المنطقة. قلة منهم فقط يتشاركون عقاراً مع عائلات أخرى، منذ أكثر من مئة عام، ويبعد عن العقارات المزمع شراؤها، أكثر من ألف متر. وليس صحيحاً أن رئيس البلدية وقطاع العمل البلدي في حزب الله اشتروا مئتي ألف متر، ملاصقة لمكان العقار، للاستفادة منها بعد ارتفاع أسعار العقارات. كما تحدّى اللقيس أن يجدوا متراً واحداً قاموا بشرائه. فجل ما في الأمر، أن بعض التجار في السوق يبحثون عن مصالحهم الخاصة والضيقة، التي ربما تتضرّر بعض الشيء جراء نقل مبنى المحافظة إلى خارج وسط المدينة. وهذا منطق لا ينسجم مع مبدأ تطوير وتوسيع مدينة بعلبك، ما يجعل جميع الادعاءات بوجود صفقة عقارية مردودة على أصحابها، وفق اللقيس.

في هذا الوقت، بدأ الأهالي مسيرة الاعتراض محلياً، ونفذوا الاعتصامات على الأرض، وقد جهّزوا ملفاً كاملاً لهذه القضية، وبدأوا بعرضه على المسؤولين. وسيكون لهم مؤتمراً صحافياً في الأسبوع المقبل لشرح القضية أمام الرأي العام، حسب ما أكّد ياغي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها