وفيما لم يذكر بيان مديرية التوجيه أسماء الأشخاص الآخرين، الذين قتلوا معه، ردد أهالي حي الشراونة أسماء كل من فادي جعفر، علي مرهج جعفر، وجعفر علي زعيتر، الذين ذُكر أن كل منهم يشاهد يومياً، في مروره على حواجز الجيش اللبناني الثابتة، القائمة في المحلة من دون أن يتم التعرض لهم سابقاً.
"القبّوط"
بعيد المفرق الرئيسي لحي الشراونة، في محلة معروفة بـ "عدوس" يقع منزل علي، تفصله عن حي سكني ومدرسة مجاورة، تصوينة، فتح ذووه خلفها مجلس العزاء، بناء لإفادة أحد جيرانه، الذي تحفظ عن الحديث عن ما جرى صباحا، داعياً إيانا إلى سؤال "ربعه".
إلا أنه وفقاً لشهود آخرين، فإن سكان الحي استيقظوا على أصوات قذائف صاروخية، وإطلاق كثيف للنيران، ما حوّل المكان إلى ساحة معركة، تبين أن المستهدف فيها هو جوزف جعفر، الذي يعرفه جيرانه بعلي حمدان. وأشار أحد القاطنين قريباً منه أن لا أحد يعرف أوقات تردده على منزله، متسائلا عمن علم بوجوده في المنزل بهذا الوقت بالذات، ليشي به إلى القوى العسكرية.. علماً انه، وفقاً لمصادر عسكرية فإن "علي" لم يكن يقصد المنزل إلا نادراً، وهو في كل مرة حاول فيها الجيش توقيفه، كان يختفي من مكان تواجده بسرعة قياسية، مثل "القبوط".
ساعة الصفر
لا يمكن الإطالة بالحديث عن علي وسيرته "الجرمية" في محيط إقامته. فالمناخ هنا تشوبه العدائية، إلا انه في حي الشراونة، حيث ابتلي معظم الأهالي بالـ"صيت الجرمي" بسبب أقلية، يحملونها مسؤولية تردي أحوالهم الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، حديث عن حادثة "تشليح" (سلب) تعرضت لها مجموعة من الصيادين قبل أيام، حوّلت الأنظار إلى علي، ودفعت إلى تحريك المعلومات الاستقصائية، التي كانت قد اكتملت جهوزيتها للانقضاض على عصابته.
اختار الجيش ساعة الصفر في صبيحة يوم حجب خلاله "الضباب" الرؤية عن محيط منزل علي، فتمكن من التحرك بحكمة كبيرة، قلص من خلالها امكانية أي خطأ كان يمكن أن يقع.
حتى الحادية عشرة من قبل الظهر، كان الانتشار الكثيف للقوى العسكرية يشير إلى حالة الترقب، التي سادت في المحلة، بعد مقتل الشبان الأربعة، ولا سيما في حي الشراونة، خوفا من أي رد فعل انتقامي محتمل على العملية العسكرية، ولا سيما في الحي الذي ينسب لـ"الجعافرة". الأمر الذي وتّر الأجواء، إلى حد إرسال مدرسة "نور 2"، رسالة لذوي تلاميذها تطلب منهم الحضور لاصطحاب أولادهم في وقت مبكر. وبالفعل فيما كان الأهالي يتقاطرون إلى المدرسة، سمع صوت ثلاثة رشقات نارية، شوهد أثناؤها بعضهم يحاولون الاحتماء من الشظايا الطائشة، وبين هؤلاء طفلة لم تتجاوز السنتين، كانت تخبر والدتها التي كانت تمسك يدها مهرولة لإحضار أطفالها، عن ما فعلته للاحتماء من الرصاص.
وفيما لم يسجل أي حادثة بين المواطنين، أصابت شظية طائشة حاجزا للجيش اللبناني في المحلة، متسببة بجرح ملازم أول وفقا لشهود، وقد شوهد لاحقا عناصر الحاجز في حالة استنفار وتأهب تحسباً لأي تحركات مشبوهة، وصولا إلى اتخاذ الوضعيات القتالية.
عصابات متناسلة
إلا أن حالة الترقب هذه لم تنعكس على سكان الحي، الذين أكمل كل منهم يومياته، بشكل طبيعي، متحدثين عن تلازم مزمن بين الحي والأحداث الأمنية، ما جعلهم يُسكتون صوت الخوف، الذي يرافقهم عند تجدد الاشتباكات، وإصرارهم على البحث عن لقمة العيش.
بين هؤلاء مجموعة من الشبان الذين كانوا يتجمعون أمام ملالة للجيش اللبناني، استرخى تحتها أيضا كلب شارد. يصف هؤلاء الحالة، بعد استيقاظهم على أصوات القذائف التي خضّت منازلهم، بالـ"عادية"، من دون أن يتوهموا بأن أي عملية عسكرية ستشكل خطوة للأمام في فرض الأمن بهذه المحلة. فكل عصابة ترحل، ستظهر مكانها أخرى فوراً، كما يقول هؤلاء الشبان، ولا أمل بانتهائهم من وبالها عليهم، إلا متى عملت الدولة بشكل جدي على الحد من ظاهرة الطفّار وارتكاباتهم في البلدة، وكفت يد من يحمونهم من رجال السياسة والأحزاب.
الفلتان
يتحدث شبان في مطلع عمرهم لـ"المدن" عن حصار مستمر يعيشونه بعيد السادسة مساء، حين لا يعود أحد قادراً على الخروج من منزله، فإذا خرج لا يضمن عودته إلى المنزل سالماً. فإطلاق النار العشوائي يكاد يكون يومياً في المحلة، وليس بالضرورة أن يكون ترجمة لخلاف بين أفراد ومجموعات، فأحيانا يكون احتفالاً بزواج أو نجاح، يحول المحلة إلى مسرح للرصاص الطائش الآتي من كل صوب.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها