الإثنين 2018/11/26

آخر تحديث: 00:06 (بيروت)

جريمة 1982: حكاية السفينة عبد الرحمن وأسماء ركّابها

الإثنين 2018/11/26
جريمة 1982: حكاية السفينة عبد الرحمن وأسماء ركّابها
غواصة تابعة لسلاح البحرية الإسرائيلي أغرقت السفينة الطرابلسية (Getty)
increase حجم الخط decrease

ليس من "وجعٍ" أشدّ من نبش ذاكرة الحروب اللبنانية ومآسيها، وتذكّر من قضى في مجازر الموت. ما اعترفت به إسرئيل أخيرًا، عن مسؤوليتها المباشرة في حادثة إغراق سفينة على متنها ركاب لبنانيون، قبالة شاطئ مدينة طرابلس، في شمال لبنان بصيف عام 1982، أعاد إحياء فظاعة مجزرةٍ وقعت في عرض البحر، فيما "الفاعل" بقي مجهولًا لـ 36 عامًا.

المجزرة التي أسفرت عن مقتل 25 لبنانيًا، لم يضع العدو الإسرائيلي اعترافه بها في منزلة "جرائم الحرب"، وإنّما جاء اعترافًا مكابرًا ومغرورًا، بـ "أنّ الأمر لا يتعدى كونه خطأً في التقدير، لا يرقى لجريمة حرب، ولا يستدعي تحقيقاً جنائياً". هكذا بررت فعلتها، بعد أن أرغم القضاء، وبطلب من فريق تلفزيوني، الحكومةَ الإسرائيلية على الاعتراف لأول مرة، عن مسؤوليتها المباشرة في حادثة إغراق السفينة، التي كان تحمل 56 لبنانيًا.


أهالي الضحايا والذاكرة
بعد الاعتراف الإسرائيلي، قمنا بالبحث عن عائلات الضحايا، إذ يظهر أنّ حادثة تفجير السفينة وإغراقها ليست موثقة في أرشيف أيّ من المؤرخين الطرابلسيين، وليست مسجّلة حتّى لدى مرفأ المدينة. وأنّ الأمر اقتصر على أخبارٍ حول حادثة غرق في الصحف. ولو بقيت لعقودٍ لاحقة من دون كشف الحقيقة (ويا للمفارقة، على يد الإسرائيليين أنفسهم)، لربما كانت دخلت في مهبّ النسيان الجماعي، كما الكثير من وقائعنا اللبنانية.

هذه السفينة، التي انطلقت من مرفأ طرابلس في شهر آب من العام 1982، كانت تحمل اسم "عبد الرحمن"، صاحبها يدعى بلال سنّو، وكان على متنها مع زوجته من آل اللبان، وقبطان السفينة يدعى نزيه صبرا. ومن أفراد العائلات الطرابلسية، كان على متن السفينة سعدالله السيد، وابنة شقيقته لينا الأفيوني، مع أصدقاء وأقارب آخرين، كانوا ينوون القيام برحلة إلى قبرص.

رحل سعد الله السيد تاركًا زوجته وأولاده في طرابلس. وبعد 36 عامًا من فتح جراح هذا الرحيل المباغت، يشير ابن سعد الله لـ "المدن"، أنّ العائلة لا تزال تحت تأثير صدمة هذا الاعتراف والكشف، الذي أحيا من جديد مرحلة صعبة وقاسية عاشتها العائلة حين تلقي الخبر في آب 1982، لا سيما أنّ احتمال ارتكاب اسرائيل للمجزرة لم يتوقعه أحد. وأعلن أنه بناء على الاعتراف الرسمي من قبل الحكومة الإسرائيلية، عن نية التوجه المبدئي حاليًا إلى "التواصل مع عوائل الضحايا، بغية تشكيل لجنة مشتركة تتابع تفاصيل الملف مع الدولة اللبنانية".

من بين الضحايا أيضاً، شاب عشريني يدعى نديم شاهين، كان يعيش في رأس بيروت مع عائلته. يشير أحد أصدقاء نديم لـ "المدن"، أنّ نديم حين رحل لم يكن يتجاوز العشرين من عمره، وكان مسعفًا في الصليب الأحمر: "أتذكر كيف كان يعشق أريك كلابتون، وكان يعزف الغيتار". رحل نديم في السفينة بهدف الهجرة: "إذ كان ينوي الوصول في نهاية المطاف إلى الأراضي الأميركية، وقد توفي والديه بعد وقت طويل من رحيله المفجع لهما".


عملية درايفوس
الكشف عن قيام إسرائيل بإغراق السفينة، جاء في تقرير وثائقي عن "حرب لبنان الأولى"، أعدته القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي. ورغم محاولات الرقابة العسكرية منع بثّه، بحجة الحفاظ على الأسرار الأمنيّة، إلا أن القناة أستطاعت عرضه، بعد أن أخذت الموافقة والغطاء القانوني من المحكمة الإسرائيلية العليا، بما يحتويه من تفاصيل.

والمفارقة، هو أنّ التقرير ذكر أنّ سفينة تجارية غير معروفة الهوية، كانت تحمل 56 لاجئًا لبنانيًا حاولوا الهروب من الحرب إلى قبرص، "أبحرت من ميناء طرابلس خلال فترة وقف إطلاق النار التي أعقبت الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، وخروج الفدائيين الفلسطينيين من العاصمة العربية الأولى التي سقطت للتو، إلى تونس تحت حماية دولية". لكنّ في المقابل، ثمّة عدة روايات حول سبب السفر في السفينة. وحسب معلومات "المدن" من بعض أهالي الضحايا، فإن نسبة كبيرة من الذين قضوا غرقًا على السفينة، ذهبوا بنية السياحة في قبرص فقط، بدليل أنّهم تركوا زوجاتهم وعائلاتهم في لبنان.

بيد أنّ الجميع في ذلك الوقت، بما فيهم أهالي الضحايا، ظنوا أن انفجار السفينة كان ناتجًا عن عطل طرأ على محرك السفينة أدى الى إنفجاره، أو عن عبوة ناسفة مزروعة في السفينة، قبيل وصولها إلى محيط جزيرة الأرانب، ولم تطل الاتهامات العدو الإسرائلي أبدًا.

وحسب ما جاء في تقرير الإعتراف، فإنّ غواصة تابعة لسلاح البحرية الإسرائيلي تدعى "غال – 540"، تعقبت السفينة اللبنانية. وبعد نحو ساعة من مغادرتها ميناء طرابلس، استهدفتها الغواصة بصاروخي طوربيد، ما أدى إلى انفجار السفينة وغرقها، ومقتل 25 لبنانياً كانوا على متنها. أمّا حجة قائد الغواصة، حسب ما ورد في التقرير، هو ظنه بأن السفينة "تقل فدائيين فلسطينيين في طريقهم للخروج من لبنان وأغرقها بالخطأ".

وما يظهر شيئًا من التناقض، هو الاعتراف أنّ هذه العملية، تمت في إطار ما يعرف بمهمة "عملية درايفوس". هذه العملية، كانت تستهدف القيام بدوريات قبالة سواحل طرابلس، لمنع السفن البحرية السورية من المشاركة في الحرب، أو التوجه إلى الشواطئ اللبنانية الجنوبية لمهاجمة البحرية الإسرائيلية.

ما كانت الخلاصة؟ رغم تهرب السلطات العسكرية الإسرائيلية من إجراء التحقيقات لسنواتٍ طويلة، خلصت التحقيقات الإعلامية بأنّ " الجيش الإسرائيلي يرفض اعتبارالحادث عملية إجرامية جنائية أو حتى عملية إهمال"، وأنّه كان "تصرفًا وفقًا للتعليمات"، مع تبرئة قائد الغواصة، الذي يدّعي أنه شاهد ما بين 30 و40 شخصاً من ركاب السفينة يرتدون زيًا عسكريًا.


المحاسبة 
الآن، من الواجب عمليًا ومنطقيًا تلقّف الدولة اللبنانية هذه القضية وتنكب مسؤولياتها. ورغم إصدار وزارة الخارجية والمغتربين بيان استنكار للحادث، وترفض فيه نتائج تحقيقات المحكمة الاسرائيلية، كما تطالب به أعضاء مجلس الأمن إدانة إسرائيل وإصدار القرارات المناسبة بحقها؛ سيبقى ذلك في إطار "البيانات الاستنكارية" المعتادة، ما لم تتخذ الدولة اللبنانية خطوات جديّة لمحاسبة اسرائيل دولياً، عن واحدة من مجازرها الدموية المرتكبة في لبنان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها