الجمعة 2016/06/17

آخر تحديث: 19:14 (بيروت)

"أديان" في مأزق مادة الفلسفة

الجمعة 2016/06/17
"أديان" في مأزق مادة الفلسفة
إحتمال إصطدام قيم "أديان" بالمقاربات الدينية التي تعتمدها المدارس (محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease
بعد 19 عاماً على وضع المناهج التعليمية الحالية، تسعى وزارة التربية إلى تغييرها وتعديلها. وقد برزت مؤخراً الحاجة الملحة إلى تعديل المناهج، خصوصاً أنها لا تجاري تطور العصر ومتطلبات التلاميذ وواقعهم، مع قيام وزير التربية الياس بو صعب بحذف بعض فصول مادة الفلسفة في شهادة الثانوية العامة، بحجة حجم المادة وتعقيداتها. ما استنكره البعض بوصفه تقليصاً للمادة وإنتقاصاً من أهدافها. لكن المؤكّد هو إستقبال التلاميذ هذا القرار بالإبتهاج والتهليل، ليس لأنه خفّف عليهم وزر الدروس فحسب، بل لأنه قلّص من أعباء هذه المادة بالذات، التي يعتبرها التلاميذ من أكثر المواد بعداً عنهم وأثقلها على فهمهم.

لا وقت للتفكير النقدي
كتاب الفلسفة في صيغته الحالية هو عبارة عن خزان للمعلومات يكتسبها التلميذ عبر الحفظ والتخزين من دون مقاربتها بشكلٍ نقدي. هذا ما تؤكّده أستاذة الفلسفة و.أ.، مشيرةً إلى أن "أزمة المادة ليست في المنهاج بقدر ما هي في مقاربة المادة، وطرح الأسئلة. المشكلة هي حقيقةً في الوعي غير النقدي الذي يقارب المادة". وتشرح المدرِّسة أن الكتاب الرسمي يعاني من مشاكل في طريقة تنظيم المعلومات، وفي تحديد ما هو مطلوب من التلميذ. وهذا ما يتعارض في الأساس مع مفهوم الفلسفة وجوهرها.

من جهة أخرى، تشير و.أ. إلى حاجة أساتذة المادة إلى "إعادة إعداد"، إذ يقع على عاتقهم جزء من المسؤولية في التعاطي غير النقدي مع مضمون المادة، خصوصاً أنه في إمكان المدرّس تغيير أسلوب عرض المادة ومعالجتها. لكن في المقابل، تقرّ بأن الوقت هو عامل أساسي، ولاسيما في الصف الثالث ثانوي، الذي يجعل إنهاء البرنامج في الوقت المحدد، قبل الامتحانات الرسمية، الهاجس الأول لدى الأستاذ والتلاميذ. 

هكذا، لا يبقى وقت للتفكر النقدي، في ظلّ السباق إلى الجمع الكمي لا النوعي للمعرفة. وبسبب الامتحانات نفسها، يضطر الأساتذة والتلاميذ إلى الإلتزام بشكل المادة المفروض من وزارة التربية، والذي "يعتمد على عرض المعلومة، بعيداً من التحليل والنقد". أما بالنسبة إلى التعديلات المرتقبة، فتشير و.أ إلى أن "الوزارة تتوجه إلى دمج كتابي الفلسفة لفرع الآداب والإنسانيات (الفلسفة العامة والفلسفة العربية)، وإلى تغيير طريقة طرح الأسئلة. وقد استشارت الوزارة أساتذة التعليم الثانوي في شأن هذه التعديلات".

تعديل "أديان"
لكن وزارة التربية ليست الوحيدة المعنية بتعديل منهاج الفلسفة، بل إنها أقامت من أجل ذلك شراكة مع جمعية "أديان". ما أثار تخوّف كثيرين وريبتهم من فكرة تدخّل جمعية بأهدافها الفكرية والسياسية في المناهج التربوية التي يتأثر بها جميع التلاميذ.

ويهدف مشروع الشراكة هذا إلى دمج مفهوم "المواطنة الحاضنة للتنوّع الثقافي والديني" في منهجي مادتي "التربية المدنية والتنشئة الوطنية"، و"الفلسفة والحضارات". غير أن وزارة التربية أكّدت في رسالة إلى الأساتذة الثانويين أن "لا علاقة لأديان بتغيير المناهج"، وفق و.أ.، وهذا ما أكّده بدوره رئيس الجمعية الأب فادي ضو، لـ"المدن"، مشيراً إلى أن "أديان لن تشارك في آلية تعديل المناهج مباشرةً، فهي ليست جزءاً من لجان العمل، بل يقتصر دورها على تقديم خبراتها من خلال تقديم التقارير والدراسات إلى الوزارة، ومتابعة عملية تعيين الخبراء. وقد أمنت لها تمويلاً من السفارة البريطانية". 

ويشرح ضو أن هذا المشروع قائم على إتفاقية وقعتها الجمعية مع "المركز التربوي للبحوث والإنماء" تحت عنوان "الشرعة الوطنية للتربية على العيش معاً"، وهي تسعى إلى "تعزيز التنوع في إطار المواطنة، ومعالجة إشكاليتين هما الخروج من الطائفية عبر تعزيز المواطنة، والخروج من التطرف عبر الإعتراف بالتنوع الديني". لكن هذا المشروع، وفقه، لا يهدف إلى فرض أي قيم دينية على التلاميذ، ولا إلى حثّهم على الإيمان بأي منها، إنما إحترامها فحسب.

يضيف: "تنطلق التعديلات من حرية المعتقد التي تنضوي في اطارها جميع القيم الدينية والثقافية بما فيها الإلحاد، وهي تقارب الدين على أساس أنه جزء من التراث والثقافة اللبنانيين. عليه، فإن الدخول إلى موضوع الدين والتنوع هو من باب المواطنة لا العكس، وذلك بهدف تعزيز مبدأ الإنتماء إلى الدولة والوطن لا إلى الطائفة".

أما في ما يخصّ منهاج الفلسفة بالذات، فيشير ضو إلى أن التعديلات التي ستطاله تهدف إلى معالجة "إشكالية تقديم مفهوم الحضارة مختزلاً بالدين، إذ نلحظ فيه تماهياً بينهما، في حين أن الحضارة أكبر من الدين، وهي تمتلك خصائص ثقافية كثيرة غير الدين". لكن ضو يقرّ بإحتمال إصطدام هذه القيم بالمقاربات الدينية التي تعتمدها المدارس في حصة الدين، ولاسيما المدارس التابعة للطوائف، والتي يقتصر التعليم الديني فيها على دين واحد، خصوصاً أن المؤسسات الطائفية تمتلك الحرية الكاملة في صياغة دروس الدين، وهي لا تخضع لرقابة رسمية.
 
وقد يصطدم هذا المشروع، وفق ضو، بإشكالية عرض الأساتذة للمناهج التي قد يكون له مفعولاً عكسياً، عوضاً عن تحقيق الهدف المرجو من التعديلات. من هنا، "هناك الحاجة إلى إعداد الأساتذة، لكن الحقيقة هي أن تغيير عقلية الأستاذ أصعب من تغيير عقلية التلميذ". ويلفت ضو إلى أن المشروع لم يواجه حتى اليوم رفضاً أو معارضة من أي جهة، تربوية كانت أم طائفية، إذ إنه لا يزال في مرحلة إعداد التعديلات، وهو يتوقع أن تعلو الأصوات المؤيدة أو المعارضة له عند إحالته إلى مجلس الوزراء. عليه، لا يمكننا تقييم المشروع حتى الآن، ولا يسعنا سوى الإنتظار حتى صدور النسخات المعدّلة من المناهج لدراسة الآثار التي قد تنجم عنها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها