الإثنين 2016/02/22

آخر تحديث: 08:38 (بيروت)

بيروت مدينة السكن المتنقل

الإثنين 2016/02/22
بيروت مدينة السكن المتنقل
يتراوح متوسّط تغيير الشباب لسكنهم بين مرّة ومرتين في السنة الواحدة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
قد تكون قضية المستأجرين القدامى، التي تفاعلت مؤخراً بسبب الصراع على قانون الإيجارات الجديد، مدخلاً إلى فتح نقاش حول السكن في بيروت، وحقّ المواطنين في السكن في مدينتهم والبقاء فيها. فمع ارتفاع أسعار العقارات، وبالتالي إستحواذ تكلفة الإيجار على جزء كبير من دخل الفرد، يعاني المواطنون، لا سيّما الشباب منهم، من مشكلة حقيقية في إيجاد سكن يتناسب مع قدراتهم المادية، ناهيك عن الحفاظ عليه، في ظلّ التصاعد المتواصل في أسعار الإيجارات.


يشكّل السكن في بيروت الهمّ الأوّل لدى الشباب، خصوصاً أولئك القادمين من خارجها، بحيث يضطرون إلى السكن بمفردهم، إذ لا بيت عائلياً يأويهم . وبسبب صعوبة إيجاد السكن الملائم، يغير الشباب مسكنهم بشكل مستمر. وقد أجرت "المدن" مقابلات مع عشرين شاباً وشابة يسكنون في بيروت، تبيّن خلالها، أن متوسّط تغيير الشباب لسكنهم يتراوح بين مرّة ومرتين في السنة الواحدة. ويصل أحياناً إلى أرقام خيالية، إذ يغيّر بعضهم سكنه بمعدّل أربع أو خمس مرّات في السنة، ليشكّل أولئك الذين يغيّرون سكنهم مرّة واحدة في السنة أقليّة صغيرة.


إنعدام الإستقرار
يرجع عدم الإستقرار هذا، بشكل رئيسي، إلى أسباب إقتصادية، أبرزها رفع صاحب الملك بدل الإيجار، ما يدفع المستأجر إلى مغادرة السكن. ويقول أحمد، الذي إنتقل بين ثلاثة بيوت بسبب زيادة سعر الإيجار، "مكثت في أوّل شقة لمدّة سنتين ونصف، إستمرّت خلالهما مالكة الشقة بزيادة الإيجار إلى أن أصبح يفوق قدرتي الإقتصادية فقرّرت الإنتقال. حظيت، بعدها، بشقّةٍ ذات إيجار أرخص، لكنّ المالك ما لبث أن رفع السعر، وهكذا دواليك". وأحياناً يحصل العكس مع آخرين، اذ تنخفض قدرتهم الإقتصادية في ظلّ بقاء بدلات الإيجار على حالها. فبعد أن خسرت سمر عملها، أصبحت غير قادرة على دفع إيجار غرفتها، ما إضطرها إلى مغادرة العاصمة والعودة إلى البقاع للسكن مع عائلتها ريثما تجد عملاً بديلاً يمكّنها من دفع الإيجار.

والحال إن إيجار غرفة أو حتى سرير في بيروت يشكّل، على الأقلّ، ثلث راتب الشابّ. يدفع هذا السبب إلهام إلى العيش في سكن مشترك، فـ"إيجار ستديو خاص يتعدّى الحدّ الأدنى للرواتب بأشواط". وهي تتحدّث عن تجربتها مع السكن كطالبة ذات قدرات إقتصادية محدودة، قائلة "سكنت مرّة في منزل كانت أحواله المكانية سيئة جداً، إذ كان يعاني من مشكلة رطوبة ونقص في الصيانة، ما أدّى إلى إصابتنا بأمراض عديدة منها الربو". في المقابل، أمضت كاميلا الـ24 سنة التي عاشتها حتى الآن متنقلة من شقةٍ إلى أخرى، ليصبح مجموع الشقق التي سكنت فيها العشرين شقة تقريباً. أما السببان الرئيسيان لهذا الانتقال المستمر فهما "غلاء الإيجارات مرّةً، ومشكلة النشّ مرةً أخرى".


هروب اجتماعي
لا تختزل الأسباب الإقتصادية واقع السكن في بيروت، بل تضاف إليها حيثيات اجتماعية تفرض على الشباب حالة من التغيير الدائم للسكن. فبهدف التوفير، يضطر الشباب إلى التفريط براحتهم الشخصية ومشاركة تفاصيل حياتهم اليومية مع شركاء في السكن. وقد أظهرت المقابلات التي أجرتها "المدن" أن عدم التأقلم مع شركاء السكن هو ثاني أسباب تغييره. وتروي سجى تجربتها السيئة مع شريكات السكن قائلةً إن "إهمال الفتيات الأخريات لوظائف المنزل ورميهن كلّ مسؤوليات التنظيف على عاتقي دفعاني إلى مغادرة إحدى الشقق التي كنت أسكن فيها، كما إضطررت مرّة أخرى إلى الرحيل بسبب قيام شريكتي في الغرفة بسرقتي".

قد تكون منطقة السكن، من جهة أخرى، سبباً لفرار السكّان، إذ تتحدّث شهرزاد عن مغادرة أسرتها لشقتهم في زقاق البلاط إلى الحمرا "بسبب إنتشار المظاهر السياسية والحزبية، في مقابل علمانية الحمرا، إلى حدّ ما". وتصف إلهام مغادرتها الضاحية الجنوبية التي عاشت فيها خلال أولى سنوات إنتقالها إلى بيروت بـ"الهروب الاجتماعي". وتقول "كانت البيئة الاجتماعية في الضاحية تفرض عليّ الحفاظ على رقابة ذاتية في ملابسي وتصرفاتي، كما كان يقوم صاحب الشقة وسكّان البناية بالتدخل في تفاصيل حياتنا كتحديد ساعة عودتنا إلى المنزل، بالرغم من أنه لم يكن سكناً طلابياً، لكنهم كانوا يعتقدون أنه بمجرّد كوننا شابات نعيش بمفردنا، فمن حقهم التدخل".


الخسارات
وفي بلدٍ يعدّ إنعدام الإستقرار إحدى مزايا العيش فيه، يجد الشباب أنفسهم يومياً أمام إحتمال خسارة أشياء يملكونها، كالوظيفة مثلاً (بسبب تراجع فرص العمل) أو الأصدقاء (بسبب الهجرة)، لذلك لا يبدو تغيير مكان السكن إستثناءاً. وقد أعرب الشباب الذين حاورتهم "المدن" عن رغبتهم الشديدة بالإستقرار في مكانٍ واحد مناسب للحياة، فتتحدّث كاميلا عن إرهاقها "بسبب إضطراري إلى نقل كل مقتنياتي من مكانٍ إلى آخر". ويشير أحمد إلى "إضطراري إلى النوم على كنبات كثيرة في كلّ مرّة كنت أترك فيها شقّة إلى أن أجد أخرى". وتأسف إلهام لإضطرارها إلى ترك الكثير من أغراضها في كلّ بيت غادرته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها