الجمعة 2016/12/16

آخر تحديث: 01:47 (بيروت)

قصة التذكرة اللبنانية: عثمانية وفرنسية.. ولاطائفية

الجمعة 2016/12/16
قصة التذكرة اللبنانية: عثمانية وفرنسية.. ولاطائفية
مع اندلاع الحرب عمد العديد من اللبنانيين إلى شطب طائفتهم عن الهوية (مجموعة وسام اللحام)
increase حجم الخط decrease
تطورت الهوية في لبنان مع تطور كيانه السياسي، من مقاطعة تتمتع بحكم ذاتي في السلطنة العثمانية، إلى دولة خاضعة للانتداب الفرنسي، فجمهورية مستقلة في العام 1943.

وتعتبر فكرة المواطنة حديثة النشأة نسبياً، لاسيما في الامبراطورية العثمانية المتنوعة الأعراق. ومع شعور الدولة العثمانية بحاجتها إلى الإصلاح والتحديث، خصوصاً بعد هزائمها المتكررة مع البلدان الأوروبية، أطلق السلطان محمود الثاني حقبة من التطويرات السياسية والإدارية، عنوانها الإقرار بمبدأ المساواة بين جميع العثمانيين وضرورة الانتقال من نظام الملل إلى فكرة المواطنة.
 

هكذا، صدر قانون "التابعية العثمانية" في 19 كانون الثاني 1869 ونص في مادته الأولى على الآتي: "إن الأشخاص المولودين من والدين أو من أب فقط في حالة تابعية الدولة العلية، يعدون من تبعة الدولة العلية".

وعملاً بهذا القانون بات اللبنانيون من رعايا السلطنة، التي منحتهم تذكرة هوية تعتبر أول تذكرة عرفها لبنان في تاريخه. وقد جاءت هذه التذكرة على شكل وثيقة تتألف من ورقة واحدة تحمل في أعلاها "الطغراء" (أي شعار السلطان العثماني)، وتحتوي على جميع التفاصيل المتعلقة بصاحب الهوية، كالاسم، الشهرة، محل الولادة، والصنعة (أي المهنة)، وتم تخصيص خانة للملة أي الطائفة.

ولما كانت متصرفية جبل لبنان تتمتع بحكم ذاتي، لم تحمل تذكرة الهوية فيها ختم وزارة الداخلية العثمانية وختم خاص بإسم "مجلس الإدارة الكبير في جبل لبنان"، بالإضافة إلى ختم "متصرفية جبل لبنان"، وذلك كتأكيد على هوية جبل لبنان الفريدة.


شكل انهيار السلطنة العثمانية وانفصال الولايات العربية عنها واقعاً جديداً من حيث نتائجه القانونية. فمع بداية الانتداب الفرنسي وتأسيسه كيانات سياسية جديدة، بات من الضروري منح هويات جديدة بغية تكريس هذه التحولات. لذلك قررت السلطات الفرنسية في العام 1921 إجراء إحصاء عام لسكان لبنان على أن يتم منح كل اللبنانيين على إثره تذكرة نفوس جديدة تحل مكان التذكرة العثمانية. وقد نصت المادة 15 من قرار المفوض السامي رقم 763 على الآتي:

"تسلم تذكرة نفوس لكل شخص مقيد إسمه في السجلات. أما تذاكر النفوس المحررة قبل الإحصاء الحالي فتلغى، وثمن تذكرة النفوس عشرون قرشاً سورياً وهي إلزامية، والشخص الذي تفقد منه تعطى له صورة منها بعد دفع خمسة قروش سورية، على أن يعفى من رسم العشرين قرشاً الأشخاص الذين تتثبت اللجنة من فقرهم (...) وتقطع كل تذكرة من دفتر ذي أرومة عليه رقم العدد ويعتبر كل وصل منه بمثابة سند محاسبة".



هكذا، صدرت أول "تذكرة نفوس" خاصة بالدولة اللبنانية، على شكل ورقة بإسم حكومة لبنان الكبير مع ختم لمديرية الداخلية. حملت الورقة تفاصيل الشخص المعني إضافة إلى مذهبه وأوصافه (القامة، لون العيون والشعر، شكل الحاجبان، وجود لحية أو شارب).

تحول لبنان الكبير إلى جمهورية في العام 1926. وفي العام 1932، أعلنت السلطات اللبنانية عن إجراء إحصاء جديد للسكان، قامت على اثره بمنح تذاكر هوية جديدة باتت تأتي على شكل دفتر، "على أن تلصق الرسوم الفوتوغرافية للأشخاص الذكور الذين بلغوا السنة 18 من العمر وما فوق على تذكرة هويتهم" (المادة 18 من المرسوم رقم 8837 تاريخ 15 كانون الثاني 1932 حول الإحصاء العام). علماً أن هذه التذكرة كانت تُستخدم كبطاقة انتخابية، حيث نجد عليها أختام أقلام الاقتراع التي تثبت تصويت الشخص المعني في الانتخابات النيابية.


وقد تعددت نماذج بطاقة الهوية مع مرور الوقت، فأصبحت أصغر حجماً في الأربعينات والخمسينات، ومن ثم اعتمدت نموذجاً جديداً في الستينات فتغيرت ألوانها وفقاً لكل محافظة مع الإبقاء على ذكر المذهب.

ومع اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975 عمد العديد من اللبنانيين إلى شطب طائفتهم عن الهوية، من أجل حماية أنفسهم خلال العبور على حواجز الميليشيات. وقد استدرك اتفاق الطائف، في العام 1989، هذا الوضع، وما نتج عنه من أحداث مأساوية، فنص في بند الإصلاحات السياسية على ضرورة "إلغاء ذكر الطائفة والمذهب في بطاقة الهوية". هكذا، صدرت بطاقة الهوية البلاستيكية التي نعرفها اليوم في 17 آذار 1997 بعد نحو 21 عاماً من التوقف عن إصدار البطاقات بسبب الحرب. وكان الرئيس الراحل الياس الهراوي أول من تسلم هذه البطاقة الجديدة، وقد حملت بطاقته الرقم واحد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها