الإثنين 2015/02/16

آخر تحديث: 13:29 (بيروت)

الثورة السورية.. ثورة في المشهد الموسيقي اللبناني

الإثنين 2015/02/16
الثورة السورية.. ثورة في المشهد الموسيقي اللبناني
اختلف الأمر بالنسبة لأعضاء فرقة "طنجرة ضغط" عند مجيئهم الى لبنان، حيث ثبتوا هوية الفرقة، ووجدوا فرصاً أكثر للتمويل والأداء
increase حجم الخط decrease
في محاولة لتبيان تغير المجال الموسيقي اللبناني بعد دخول فنانيين سوريين اليه في السنوات الأربع الأخيرة، التقت "المدن" بمغني الراب هاني السواح، أعضاء فرقة "طنجرة ضغط" وعازف الغيتار أحمد نفوري من فرقة "الصعاليك".



السيد درويش
بدأ هاني السواح الملقّب بـ"السيد درويش" مسيرته في مجال الراب في العام 2006 في حمص. لم يكن حينها يغني أغاني سياسية الا "بين السطور، لدرجة أن المستمع نفسه لم يكن يفهم الرسالة السياسية المبطنة"، كما يقول. ومع بدء الثورة، تحول السواح الى "هتّيف". "فكرت حينها بأني أنا من يكتب ويلقي الهتافات، فلمَ لا أعود الى الموسيقى؟". اتخذت حينها موسيقاه منحىً سياسياً وتأثرت بـ"المشهد الموسيقي الجميل الذي ولد بعد الثورة، مع انفتاح الناس على أفكار وأنماط جديدة"، على حد تعبيره.

ومع انتقاله الى بيروت منذ سنتين ونصف، أصبح السواح أحد رموز الراب في لبنان. وقد تعاون في غنائه الملتزم مع عدد من الفنانين السوريين واللبنانيين، فنتج عن ذلك أغان تمحى فيها الحدود بين القضيتين اللبنانية والسورية. يلاحَظ ذلك في أغنية السواح والراس (مازن السيد) "ميناء حمص" التي تصور حمص وطرابس على حد سواء. اذ تبدو عنده فكرة أن المجتمع السوري مختلف عن اللبناني "علاك". أما توجه بعض الفنانين السوريين واللبنانيين الى "الإستقلال عن بعضهم" فله علاقة "بإحساس كل جهة بأنها مهددة من الأخرى".

التعاون الفني في لبنان ساعد السواح على "اسقاط فكرة الإلهام والوحي عند كتابة الأغنية، فالآن يمكنني أن أكتب عن أي شيء بعدما زالت الحواجز بيني وبين القلم"، على حد قوله. ومرد ذلك، برأيه، الى أن "الفنانين اللبنانيين يمتلكون في رأسهم مساحة من الحرية غير موجودة في سوريا، لأن المسائل التي لا نستطيع الحديث عنها في سوريا أكثر من تلك المسموح بها". على أن السواح يرى ان "فكرة بيروت كمكان ثقافي قد سقطت منذ زمن. فهي لفترة طويلة لم تنتج أي شيء جديد على الصعيد الفني". لكنه يلاحظ "طفرة في الأنماط الموسيقية الجديدة تزامنت مع الثورات العربية، مما يدفعني للإعتقاد بأنه سيقال عن زمننا هذا، بعد فترة، بأنه زمن النهضة الفنية في منطقتنا".

لا يصنّف السواح نفسه "رابر". انما هو، مع غيره من مغني الراب، في صدد "تطوير الشعر العربي وأخذه الى ما هو أبعد من الأوزان، فنحن لا نريد أن نبقى ضمن الأطر التي وضعها من جاء قبلنا". والأغنية بالنسبة له ليست رسالة فحسب، وانما "علاجاً ذاتياً وشيئاً شخصياً".


طنجرة ضغط
تأسست فرقة الروك "طنجرة ضغط" في سوريا في العام 2009. لكنها لم تكن آنذاك ذات توجه واضح، بل كانت موسيقاها مزيجاً من "الروك والجاز وأشياء أخرى وكانت أقرب الى الإرتجالية"، وفق أعضائها. ذلك ان "الروك" غير مقدر في سوريا، في ظل توجيه الأضواء الى خريجي المعاهد الموسيقية و"الكونسرفاتوار". من هنا، كان المشهد الموسيقي في الشام يكاد يقتصر على الأنماط التقليدية والكلاسيكية، وهو بعيد عن الاتجاه "التجريبي"، و"الروك هو للأولاد"، وفقهم.

اختلف الأمر بالنسبة لأعضاء الفرقة عند مجيئهم الى لبنان في العام 2011، حيث ثبتوا هوية الفرقة، ووجدوا فرصاً أكثر للتمويل والأداء. وبالنسبة لعازف الغيتار في الفرقة طارق خلقي، "كان فننا تجريبياً وما زال، الا انه لم يعد غامضاً".

يختلف جمهور الفرقة في سوريا عن جمهورها في لبنان. "فهناك يجب على الفنان أن يعزف ما هو متوقع، أما هنا فالجمهور أكثر انفتاحاً"، بحسب عازف الإيقاع داني شكري. ويضيف مغني الفرقة خالد عمران "بيروت انفتحت على الموسيقى قبل الشام، فالروك في سوريا يجب أن يكون مجرد مرحلة، أما هنا فنجد أشخاصاً خمسينيين يعزفونه".

يقر أعضاء الفرقة بأن "في لبنان حالة موسيقية أفضل من تلك الموجودة في سوريا، خصوصاً بالنسبة إلى الروك. وقد جاء بعض الفنانين السوريين إلى لبنان لكي يتعلموا". تتمحور أعمال "طنجرة ضغط" الفنية حول الإنسانية لا السياسة، بحسب عمران، إذ "نغني عن شيء أبعد من السياسة، فالحرب بالنسبة لنا عبثية، وليس لدينا ما نقوله للناس عن السياسة". ويضيف خلقي "لا نريد أن نحد أنفسنا داخل جدران الحرب وكليشيهاتها، فماذا نفعل حين تنتهي؟".

الموسيقى بالنسبة للفرقة أشمل من قضية واحدة، أو جنسية واحدة. وهذا ما يزيل الحدود بينهم وبين الفنانين اللبنانيين، مما أرسى أرضية لأعمال مشتركة بينهم. لا تدعي الفرقة تمثيل أحد، فبحسب قولهم "نحن لا نعتبر أنفسنا صوتاً لأحد، بل نعزف الموسيقى لنعبر عن أنفسنا".


الصعاليك
جاء أحمد نفوري الى لبنان في العام 2013 وأسس فرقة "الصعاليك" التي تجمع موسيقاها بين الشرقي و"الفلامينكو"، والغجري والكلاسيك. ويرى نفوري أن "بيروت سوق مناسب لهذه الموسيقى، لأنها تبحث عما هو جديد". وفي نظرة الى الوراء، يشير نفوري الى انه حين كان يشارك في حلقات العزف الإرتجالي Jam Sessions في بداية اقامته في لبنان، كان معظم ما يُعزف غربي لجهة الموسيقى واللغة، "اذ يظن الكثير من اللبنانيين أن الموسيقى العربية توقفت عند فيروز وزياد الرحباني". لكن "دخول السوريين الى المجال أسهم في العودة إلى الشرقي، والتوجهات المختلفة ولدت انصهاراً بين الغربي والشرقي"، وفقه.

يشارك نفوري السواح و"طنجرة ضغط" رأيهم بأن في لبنان فرصاً أكثر، "فعدد المسارح ملائم لعدد الناس". كما أن لبنان يفسح مجالاً "للوسط". "ففي سوريا يتلخص المشهد الفني بالهوة بين دار الأوبرا والكازينوهات التي تُسمع فيها الموسيقى التجارية حصراً. لكن في لبنان مساحة في الوسط لموسيقيين قد لا يمتلكون مواهب خارقة، لكنهم يختبرون أنماطاً جديدة. وتتجلى هذه المساحة بالأداء في الحانات". لكن نفوري في تجربته في الفن التشكيلي، يؤكد أن بيروت لا تقدم للفنان التشكيلي الفرص نفسها التي تؤمنها في المجال الموسيقي.

على الرغم من أن الطابع الأساسي لأغاني الفرقة اجتماعي، الا أن الاسم وحده يحيل الى فعل سياسي. فالصعاليك هم جماعة من العرب عاشوا في عصر الجاهلية وثاروا على قبائلهم. بالنتيجة، لا تخلو أغاني الفرقة من السياسة التي لا مفر منها بالنسية لنفوري الذي يقول: "أنا لا أحب السياسة لكنها تتدخل فيّ". ويأتي ذلك بنتائج غير محبذة كـ"التصنيف"، "فحين يُغني الفرد عن السياسة يسارع الناس الى تصنيفه، وهذا أكثر ما يكرهه الموسيقي". كما أدت "مشاكسته السياسية" الى تلقيه "تهديدات من النظام السوري ومن أحزاب لبنانية، بالإضافة الى حجز جواز سفري لدى الأمن العام اللبناني". ويختم نفوري بأن الموسيقى "تكفيني لكي أعيش، لكنني لا أعرف ان كانت ستبقيني سالماً".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها