الجمعة 2015/12/11

آخر تحديث: 14:37 (بيروت)

"معركة" قوانين الأحوال الشخصية تبدأ بـ16 يوماً.. وتستمر

الجمعة 2015/12/11
"معركة" قوانين الأحوال الشخصية تبدأ بـ16 يوماً.. وتستمر
"إقرار قانون مدني موحد مساو وإلزامي يتطلب نفساً طويلاً وإصراراً ودعماً مجتمعياً وإعلامياً" (أرشيف: علي علوش)
increase حجم الخط decrease
تعرفت مريم، وهي إمرأة مسيحية، تعمل في معمل خياطة في إحدى الضواحي شرقي بيروت، على زوجها المصري، الذي يعمل في المعمل نفسه، وتزوّجا. ثم أنجبت منه ولدين، صبياً وبنتاً. لم تكن علاقتها الزوجية جيدة، فكانا يتشاجران كثيراً، وفي كلّ مرة كان يطردها من منزلهما، فتذهب إلى أهلها لتمضي بضعة أيام، ثم تعود من جديد. لكن في المرة الأخيرة عادت ولم تجد أحداً في انتظارها. فقد أخذ زوجها الطفلين وسافر بهما الى مصر برفقة امرأة جديدة.


لاحقاً، إتصل بها من مصر وأخبرها بأنها طالق. فخافت إن ذهبت إلى مصر قبل تثبيت طلاقها أن يحتجزها زوجها ويمنعها من السفر. فقررت رفع دعوى تفريق بشكل غيابي في المحكمة الشرعية، وأسلمت كي لا تفقد حقها بالحضانة، إذ أنه وبالرغم من رفع سنّ الحضانة لعمر الثانية عشرة عند الطوائف الإسلامية، إلا أن المسيحية التي تزوجت من مسلم ولم تغيّر دينها يسقط حقها بالحضانة عند الشيعة ويبقى لعمر خمس سنوات عند السّنة. ولكي يصدر الحكم في المحكمة الشرعية، كان يجب على مريم أن تجلب شاهدين ليشهدا على سوء علاقتهما الزوجية، وبما أنها تعيش في منطقة مسيحية، لم تحظ إلا بشاهدين مسيحيين، والمحكمة الشرعية لا تقبل شهادتيهما. وبعد عناء طويل، وافق الشيخ في المحكمة الشرعية بأن يشهد الشاهدين عند مختار في منطقة سكن مريم، وحكم بتطليقها. لكن الحكم في إجراءات المحكمة الشرعية لا يُصبح نافذاً إلا إذا صُدّق بالإستئناف، وهذا ما لم يحصل، لأن محكمة الاستئناف لم تأخذ بشهادة الشاهدين وأوقفت القضية. "كان يمكن أن أجلب شهود زور من منطقة أخرى، لكنني اتبعت الشفافية وأردت أن آخذ حقي بالقانون. وهذا ما حصل لي"، قالت مريم، التي لم ترَ ولديها منذ سنوات عديدة، وهي عاجزة عن استئناف حياتها ومشتاقة لهما.

قصّة مريم هذه هي وجه من أوجه الظلم في قوانين الأحوال الشخصية، والظلم هذا الذي يطال المرأة ليس محصوراً في الزيجات المختلطة فحسب، وليس حكراً على طائفة بعينها، بل هو معمّم على كل الطوائف وقوانين أحوالها الشخصية.


الأحوال الشخصية
"مقاربة موضوع قوانين الأحوال الشخصية في لبنان تشبه إلى حدّ بعيد موضوع الفساد. عندما يُقال أن هناك فساداً في لبنان، وأن السياسيين فاسدون، الجميع يوافقون، لكن عندما ندخل في التسميات، يتغيّر الموقف. فالجميع متفقون أن هذه القوانين ظالمة وتمييزية ويجب أن تتغير، لكن إذا دخلنا في تسمية الطوائف وتعرية قوانينها، تقوم القيامة. لكننا قرّرنا أن نخوض هذه المواجهة وأن ننزع القدسية عن هذه القوانين، وأن لا يبقى الحديث عنها محصوراً في العموميات، بل أن نكشف الشوائب التي تعتريها وانتهاكها لحقوق الإنسان"، على ما قالت ليلى عواضة، المحامية في منظمة "كفى عنف واستغلال" لـ"المدن"، وهو ما تترجمه حملة الـ16 يوماً حول قوانين الأحوال الشخصية التي أطلقتها المنظمة في 27 تشرين الثاني الماضي، بهدف فضح هذه القوانين بالتفاصيل الدقيقة من دون "مراعاة ولا مجاملة ولا تلطيف".

"قوانين الأحوال الشخصية عند جميع الطوائف من دون استثناء تعتبر المرأة ناشزاً. فأخذنا هذا المصطلح وأطلقناه على قوانين الأحوال الشخصية، واعتبرناها ناشزة، لأنه من غير المنطقي ونحن في القرن الواحد والعشرين أن تُعتبر المرأة ناشزاً إذا خرجت من المنزل من دون إذن زوجها، الذي باستطاعته أن يرفع دعوى عليها يُجبرها على العيش معه. كما أن خروجها من البيت يستتبع إسقاطاً لحقوقها، فعند البعض يسقط حقّها بالنفقة وعند البعض الآخر يسقط حقها بالنفقة والحضانة"، وفق عواضة.

"العديد من النساء لا زلن غير مستقلات إقتصادياً، وهنّ يبقين غصباً عنهنّ مع أزواجهنّ خوفاً من إسقاط حقهّن بالنفقة والحضانة"، وفق رنا خوري، من قسم الإبداع في شركة "ليو بارنيت"، التي عملت على ثلاثة فيديوهات، واحد منها رافق إطلاق الحملة وسلّط الضوء على زواج القاصرات، حاصداً في مدة قصيرة أكثر من خمسة ملايين مشاهد. "عندما نُخبر الناس مثلاً أن البنت وإن كانت قاصراً يمكن أن يتم تزويجها، يكون وقع الكلام أخف وطأة من معاينة القانون بشكل ملموس. اخترنا أن ننشر الفيديو على الإنترنت لكي يشاهده الجيل الجديد ويتفاعل معه ولكي ننقل غضبنا من وجود هكذا قانون في عصرنا هذا، ونفتح النقاش حوله"، على ما تقول خوري.

والحال أن أهمية مشاركة المرأة في الحياة السياسية وصنع القرار، يُستتبع بتساؤل عن أسباب عدم إقدامها بشكلٍ وافٍ على الترشح مثلاً والعمل في الشأن العام. وهذا ما تفسره عواضة بأن "المرأة لا تملك سلطة على نفسها وقراراتها، وبحاجة إلى وليّ أمر عليها، فكيف للمجتمع أن ينظر إليها بجدّية؟ العقبة الأساسية أمام النساء لممارسة حقوقهن كاملة هي قانون الأحوال الشخصية الذي يُشعر المرأة أنها قاصرة. لذا فإن الشغل الأساسي يبدأ من أن يعطيها القانون سلطة على نفسها أولاً وعلى تقرير مصير حياتها، لتكون مشاركتها في الشأن العام الخجولة الآن أكثر فعالية".


المعركة الطويلة
هكذا، تبرز أهمية أن يكون هناك قانون موحد، مدني مساو وإلزامي. لأن القانون الرسمي، كما قالت عواضة، لا يمكن أن يكون إختيارياً. فـ"الدولة التي لا قانون لها لا يمكن أن تتمتّع بالسيادة. نحن نعيش في دولة ظاهرها مدني، لكن الطوائف فيها هي صاحبة السلطة". وتطرح عواضة مثالاً على عملية إقرار قانون العنف الأسري منذ أكثر من عام، وكيف أن النائب في البرلمان يُشرّع حسب خلفيته الطائفية وليس بناءاً على خلفية قانونية أو مدنية أو تشريعية أو إنسانية.

على أن عواضة تعرف أن إقرار قانون مدني موحد مساو وإلزامي، يُفرض على جميع الطوائف، يتطلب نفساً طويلاً وإصراراً ودعماً مجتمعياً وإعلامياً، "لكنه ليس مستحيلاً". والدليل على ذلك وفقها أن "الدولة، في العقارات الأميرية (التي تمنحها الدولة للمواطنين لاستثمارها والعيش منها)، ألزمت جميع الطوائف بتطبيق قانونها الإلزامي الذي يساوي في الإرث بين الذكر والأنثى". هكذا، "لن نغيّر القوانين في 16 يوماً، لكن هذه الحملة هي بداية مشوار طويل يجب أن يبدأ"، تختم عواضة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها