الجمعة 2014/11/07

آخر تحديث: 15:31 (بيروت)

الهوية الملتبسة في أبيدجان

الجمعة 2014/11/07
الهوية الملتبسة في أبيدجان
أرشيف الاغتراب اللبناني من مجموعة الدكتور جهاد بنوت
increase حجم الخط decrease

من المتعارف عليه أن لبنان يعتبر البلد الوحيد في العالم الذي لا يتعدى عدد المقيمين فيه ربع عدد مغتربيه، فالإحصاءات التي تصدرها الجهات المعنية تؤكد أن "الدياسبورا" (الاغتراب) اللبنانية تتعدى الـ12 مليون نسمة، بينما عدد اللبنانيين المقيمين نحو أربعة ملايين.

واذا كانت أسباب هجرة اللبنانيين ترجع في غالبيتها إلى أسباب اقتصادية، فإن تفشي ظاهرة فقدان الهوية التدريجي وخاصة للأجيال الثانية والثالثة للبنانيين المهاجرين تبدو مشكلة مرافقة لهذه الهجرة. ويمكن أن نأخذ حالة عاصمة ساحل العاج أبيدجان كنموذج يوضح مدى خطورة معاناة هؤلاء المهاجرين في موضوعي الهوية والانتماء.

ان الجالية اللبنانية المقيمة في ساحل العاج تربو على ستين ألفاً حسب بعض الإحصاءات، وقد ساهمت ولأكثر من قرن في تطوير البنية التحتية والتنمية في البلد المضيف في كافة المجالات وخاصة العمرانية. وكان لهذه الجالية أدوار كثيرة تتجاوز الحياة الإقتصادية الى الحياة السياسية، حيث نرى اليوم شخصيات من أصل لبناني في دوائر الحكم والقرار.

إن موضوع الهوية، يفرض نفسه اليوم وأكثر من أي وقت مضى، حيث يتنازع الشباب اللبناني في أفريقيا عامة انتمائان اثنان متداخلان. أولهما الانتماء الى الجذور، بمعنى الانتماء إلى وطن آبائهم وأجدادهم لبنان. وهذا الإنتماء له مقومات عديدة وأهمها العادات والتقاليد الشرقية العربية المحافظة. أما الانتماء الثاني فهو الانتماء المحلي الأفريقي، حيث العادات والقيم المختلفة عن العادات اللبنانية، أضف إلى ذلك عامل اللغة حيث أن الفرنسية أولاً والإنكليزية ثانياً هما اللغتان الأكثر تداولاً في أفريقيا، لأن معظم بلدانها كانت مستعمرات لهاتين القوميتين.

إن مشكلة الإنتماء هي مشكلة جوهرية بالنسبة للذين أصبحوا اليوم "أفارقة من أصل لبناني"، وليس هناك دراسات توضح حجم هذه المشكلة. ولكن المهاجرين يعبرون عنها في كل المناسبات والمؤتمرات، حيث يتلمسون يومياً ضياع أبنائهم الفكري والديني والاجتماعي. وهم يعبرون عن خوفهم من المستقبل، لأن أولادهم اندمجوا جزئياً في المجتمعات بحكم وجودهم فيها ولكن اندماجهم الكلي مستحيل برأيهم، لأسباب يعرفونها ولا يبوحون بها.

وتبدو المقارنة بين الوجود اللبناني في أفريقيا وأماكن إغتراب أخرى مهماً. ففي أميركا مثلاً التي تضم جنسيات مختلفة ذابت في نسيج اجتماعي جديد، يرفض اللبنانيون، في كثير من الأحيان، التحدث عن جذورهم، وهم يعتبرون أنفسهم أميركيين قبل كل شيء، وما جذور آبائهم إلا من التاريخ الذي لا قيمة له بالنسبة لحياتهم في مجتمع ساهم عبر سنوات في كسر حواجز العرق واللون والجنسية، وأصبح الإنتماء فيه انتماءا إلى مخيال أمة واحدة. وهذا ما لن يتحقق بالطبع في حال الأفارقة اللبنانيين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها