الثلاثاء 2014/10/21

آخر تحديث: 16:05 (بيروت)

سوريون عالقون بين "الداخل" والحدود

الثلاثاء 2014/10/21
سوريون عالقون بين "الداخل" والحدود
ساهمت المشاكل السياسية الحاصلة في لبنان في الآونة الأخيرة، وضغط النازحين، في تشديد الحكومة اللبنانية إجراءاتها (Getty)
increase حجم الخط decrease

هذه نماذج لأزمات يتعرض لها السوريون راهناً في بلادهم وخارجها، بسبب اضطراب علاقاتهم بمحيطهم، أو تحميل البلدان المضيفة لهم ما لا تحتمل، وهذا ما يترتب عليه إقصاءاً مجتمعياً وعنفاً يؤجل الحياة أو يعطلها.


البقاء في البيت
الحاج حسان، رجل في الخامسة والخمسين من عمره، يعيش مع زوجته الخمسينية في منطقة البقاع، ولديه شابان يعملان في الدهان، بمردود ضئيل بالكاد يكفيهم لتأمين قوت يومهم. وقد كان الرجل يعمل فراناً في ريف دمشق وبعد مقتل ابنه الأكبر واختفاء ابنه الثاني فضل النزوح إلى لبنان، ريثما ينتهي جنون الحرب، واضعاً حداً أقصى لبقائه خارج سوريا نحو شهرين أو ثلاثة، حاله حال الكثيرين من السوريين. يتحدث الحاج عن اقتحام الجيش اللبناني لبيتهم بلا سابق إنذار لـ"مجرد معرفة أن هذا البيت لسوريين ويوجد فيه شباب".

"حسيت لوهلة أني بسوريا وفكرت في مداهمة"، يقول مسترجعاً "أيام الحصار في ريف دمشق، عندما كنا نخبئ أموالنا وحاجياتنا وننتظر لحظة الموت في أي وقت".

لا يملك الحاج حسان في هذا الظرف سوى البقاء في البيت طول اليوم. وهو يخشى الخروج تحت أي ظرف ويوكل كل مهمة خارجية الى ولديه العاملين. وهذا ما يؤرقه أيضاً، فلا يُغمض له جفن حتى يعودا إلى المنزل. وفي نفس الوقت لا يستطيع العودة إلى سوريا ليمارس حياته بشكل طبيعي، فالحرب لا تترك لمنكوبيها خياراً سوى النزوح أو الموت.


منع دخول
ساهمت المشاكل السياسية الحاصلة في لبنان في الآونة الأخيرة، وضغط النازحين، في تشديد الحكومة اللبنانية إجراءاتها للسماح بدخول مزيد من النازحين السوريين. ومن المعروف أن للسوريين عددا كبيرا من الأقارب اللبنانيين، والعكس. كما يقيم في لبنان ومنذ ما قبل اندلاع الثورة السورية أكثر من 500 ألف عامل سوري. لكن يبدو أن هذه الإجراءات لا تهدف إلى منع دخول السوريين إلى لبنان فحسب، بل تسعى إلى دفع المُقيمين فيه إلى التفكير جدياً بمغادرة لبنان نظراً للتضييق الذي يتعرضون له حالياً.

وقد سجلت عدة حالات منع دخول إلى لبنان مؤخراً، بل وتعدى الأمر المنع إلى إتلاف الوثائق، ما يعني حرمان المواطن من الدخول إلى الأراضي اللبنانية نهائياً. وخُتم للبعض أيضاً بمنع دخول لمدة ستة أشهر عندما كرر المحاولة أكثر من مرة.


فصل عائلي
أحمد الخالد شاب سوري دخل إلى لبنان بطريقة غير شرعية منذ عدة أشهر، وما فتئ خلالها يبحث عن أي طريقة ممكنة للخروج منه إلى أي بلد آخر، نظراً لخطورة الأوضاع الأمنية ولخشيته من الاعتقال. وبالتزامن مع المضايقات التي تعرض لها سوريون كثيرون مؤخراً بعد أحداث عرسال واختطاف الجنود اللبنانيين، صدرت عدة قرارات عن الجهات الأمنية اللبنانية هدفها تسهيل خروج السوريين من لبنان باتجاه سوريا أو أي بلد آخر. وتمثلت في إصدار عفو عن الرسوم والمخالفات للنازحين الذين لم يسووا إقامتهم، وهو الأمر الذي لطالما انتظره الخالد خلال وجوده على الأراضي اللبنانية. وبالفعل قام بتقديم أوراقه إلى دائرة الأمن العام لإنجاز المعاملة وفي هذه الأثناء طلب من أهله التوجه إلى لبنان لوداعه. وعند وصولهم إلى الحدود اللبنانية مُنِعوا من دخولها أول مرة، وقام الموظف المسؤول بتمزيق وثيقة دخول والده، وهو الأمر الذي يعني عودته إلى سوريا مباشرة، فيما نجحت، آخر الآمر، محاولات أمه وإخوته المتكررة للدخول ووداعه وقد مُنع من دخول الأراضي اللبنانية مستقبلاً.

وهذا ما حدث أيضاً مع والد أحد السوريين الذي يقيم في لبنان منذ فترة طويلة، ويملك معملا صغيرا للنجارة. حيث حاول والده إدخال بعض المؤن والحاجات الخاصة بابنه لكنه ووجه برفض الأمن اللبناني لذلك، وقد أتلفت أوراق دخوله إلى لبنان، ومنع من دخول الأراضي اللبنانية لمدة ستة أشهر لاحقة.

أما أبو عماد الحموي فهو من المقيمين في بيروت منذ عشر سنوات تقريباً، لكنّه يواجه صعوبة في تجديد إقامته التي شارفت على الإنتهاء. وقد سُجلت حالات يُطلب فيها من السوريين، أثناء سعيهم لتجديد إقاماتهم، المغادرة خلال 48 ساعة حتى ولو كانوا من المقيمين القدامى. وهذا ما حدث مع الحموي نفسه. وهو بات يفكر جدياً في العودة إلى سوريا "بسبب الأوضاع المضطربة في لبنان ونظراً لمرض والدتي الشديد، ذلك أنني لن أستطيع زيارتها ومن ثم العودة إلى عملي في لبنان، ولا هي تستطيع القدوم بسبب الإجراءات الحدودية".

جراء ذلك يحاول السوريون الموجودون في لبنان التأقلم مع واقعهم الجديد. وفي معظم الحالات يجدون أنفسهم مجبرين على البقاء في لبنان، إذ لا تترك الحرب في الداخل أي أمل بالعودة حالياً، كما لا تترك حالات الصراع الدائرة في الخارج والمضايقات التي يتعرضون لها أي خيار لهم سوى البقاء، وقد باتت الحرب تحكم السوريين أينما وجودوا، وتصلهم رياحها الهوجاء أينما حلوا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها