الأربعاء 2014/10/15

آخر تحديث: 13:00 (بيروت)

مونة سيدات الجبل: الإحتفاء بالمطبخ اللبناني

الأربعاء 2014/10/15
مونة سيدات الجبل: الإحتفاء بالمطبخ اللبناني
توقفت معارض المونة في الجبل منذ نحو ست سنوات بسبب ضيق الوضع الإقتصادي
increase حجم الخط decrease

في هذا الوقت من كل عام، تبدأ رحلة التحضير لمونة الشتاء وهذا ما تسميه ربات المنازل في المناطق الجبلية بـ"همكة المونة".

المونة وكل ما يرافقها من تحضيرات تشكل جزءاً من "ثقافة" لبنان وتراثه، ولكنها ايضاً تنطلق من حاجات الناس. فمنذ زمن اعتاد اللبنانيون على تخزين بعض المحاصيل الزراعية وغيرها من الاطعمة والمواد الغذائية، وذلك لمواجهة قسوة الشتاء وصعوبة الحركة فيه. على أن وصف المونة اللبنانية بالتقليد أو الفلوكلور ينتقص من قيمة هذه الحرفة التي لطالما تغنت بها سيدات المناطق الجبلية. ذلك أن المونة هي ركيزة اقتصادية واجتماعية ضرورية، وغذاء صحي خال من المواد الحافظة.

"يلي في مثني ببيتو... عندو كنز"، هذا لسان حال غالبية سيدات الجبل. وهن لسن ربات منازل يحضرن المونة فحسب، إنما هن على دراية تامة بمنافع هذه المأكولات وكيفية استخدامها. وكأن هذا العمل طقس جماعي، فترى النساء منهمكات بصنع الزيت والزيتون، الرب والكشك، الالبان والاجبان، والمربيات على أنواعها.

"تقطع البندورة الحمراء اللون الشهية، ومن ثم تُعصر على منخل حديدي مخصص لصنع الرب. وبعد عصرها نقوم بتصفية العصير لازالة البذور والقشور التي تتسرب منه. وفي الوقت نفسه يهتم آخرون بإشعال النار في دار المنزل، وعندما تشتعل النار ويصبح الدست حامياً، نبدأ بإفراغ العصير في الدست ويتم حركه بشكل مستمر، ولكن بحذر. وبعد ان يشتد العصير ويصبح جاهزاً يُبعد ويوضع على ورق شاش ونُعرِّضه لأشعة الشمس ليجف نهائياً وثم يسكب في مرطبان زجاجي ويُضغط جيداً". هكذا تشرح احدى السيدات خطوات صنع رب البندورة. وهو شرح في دقته، وتفاصيله، والانخراط الجماعي في تنفيذه يبدو احتفاء بما يُنتج.

وتؤكد مسؤولة "الاتحاد النسائي التقدمي" هالة ملاعب أن "العادة جرت أن تقام في كل قرية في الجبل معارض لبيع المونة البيتية. وكان التحضير لهذه المعارض يبدأ قبل ستة أشهر من الموسم". وهدف هذه المعارض، وفق ملاعب، "تحفيز الناس على الطعام الصحي في عصر الفاست فود والطعام المثلج، ولتذكير الناس بالمطبخ اللبناني الذي يعكس تراثنا وتقاليدنا". ويمكن لهذه المعارض السنوية أن تأخذ منحى تنافسياً بين السيدات، فكل واحدة منهن "تحاول جاهدة تحضير المونة الألذ والأكثر أناقة".

لكن هذه المعارض توقفت منذ أكثر من ست سنوات بسبب الوضع الاقتصادي في لبنان، "والذي يمنع سيدات المنطقة من صنع كميات كبيرة من المواد، ويجعلهنّ يكتفين بتحضير ما يكفي حاجتهن المنزلية، خاصة مع ضعف الاقبال على شراء ما يعرض من هذه المنتجات"، وفقها.
بدأت نادية جمال، وهي مدرسة في الخمسينات من عمرها، بالاشتغال بصناعة المونة منذ كانت طفلة عمرها ١٠ سنوات. كانت تراقب جدتها وامها وتقوم بتقليدهما حتى أتقنت الحرفة، واصبحت نساء الضيعة يتعلمن منها سر المونة وفنونها.

تضع جمال في غرفة صغيرة عدتها. هكذا، تتوزع على الرفوف عبوات ماء الزهر وماء الورد، دبس الرمان، والقصعين وغيرها. وقد صارت جمال مقصداً ومرجعاً في صناعة المونة، بين جيرانها، ليس لكون مأكولاتها لذيذة فحسب، "انما لأنها نظيفة وصحية أيضاً". وهي ترى أنّ "نساء اليوم ليس لديهن فكرة عن متعة هذا العمل"، مؤكدة على طموحها بأن يكون عندها "مدرسة تعلم فيها كل من يرغب بتعلم صنع المونة، للحفاظ على هذا التراث الثمين، وليبقى المطبخ اللبناني مقصداً لكل العالم".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب