حسان دياب الباسيلي

مهند الحاج علي

الجمعة 2020/07/31
منذ تكليفه في 19 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بلور رئيس الحكومة حسان دياب خطاباً انتقل من الوعود الكبرى، إلى التبرير وإلقاء اللوم على الخارج. وهذا الخطاب يزداد حدة في الاتجاه الأخير كلما اتسعت دائرة فشل رئيس الحكومة في أداء أبسط المهمات المطلوبة من السلطة التنفيذية اليوم، مثل وقف التدهور الحاصل على مستوى الخدمات الأساسية كالكهرباء والنفايات، ناهيك عن تحقيق وعوده الكبرى من مكافحة الهدر والفساد وحماية الفقراء وإصلاح النظام القضائي وبقية مؤسسات الدولة.

ذلك أن دياب وبعد تشكيله الحكومة في الشهر الأول من هذا العام، ألقى خطاباً وصفها فيه بأنها "غير حزبية" وانتصار للبنان، وإدعى بأنها شُكلت من "اختصاصيين لا يقيمون حساباً إلا للغة العلم والمنطق والخبرة". الأهم أن دياب وعد بعمل الحكومة لترجمة 7 مطالب للمنتفضين هي: "استقلالية القضاء، واستعادة الأموال المنهوبة، ومكافحة الإثراء غير المشروع، وحماية الشرائح الاجتماعية الفقيرة من ظلم الضرائب، ومكافحة البطالة، ووضع قانون جديد للانتخابات يُعزز اللحمة الوطنية التي كرستها الساحات، وتأكيد مبدأ المساءلة والمحاسبة التي نتمسّك بها ولا نخشاها".

بعد مضي 7 شهور على ولادة الحكومة، لم يُحقق دياب وفريقه الوزاري أياً من هذه الوعود. ما زال القضاء على حاله، في حين ازداد الفقراء فقراً، إذ تضاعف سعر صرف الدولار 4 مرات من ألفي ليرة عند تشكيل الحكومة الى سبعة-ثمانية آلاف (وصل الى عشرة آلاف قبل فتح المطار).

كان دياب، في الخطاب عينه، ادعى بأن حكومته "لا تتمدد للتسويات". لكنها في الواقع واصلت التسويات، باعتراف حلفائها قبل خصومها، وانتهجت المحاصصة في التعيينات داخل أجهزة الدولة، تماماً مثل سابقاتها، وربما أكثر.

عملياً ومن دون مبالغة، كل وعد أو وصف ورد في هذا الخطاب، وجد نقيضه على أرض الواقع. بيد أن لرئيس الوزراء الحالي قدرة عالية على إعادة تدوير الوقائع، بعيداً عن "لغة العلم والمنطق" التي وسم نفسه بها في خطابه الأول.

في كلامه الأخير مع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في السراي الحكومي، أعلن دياب، ومن دون خجل، أن حكومته "حققت إصلاحات كثيرة". ومن ثم انتقل رئيس الحكومة مباشرة إلى التلاعب بالتواريخ، فقال في جملة واحدة إن الحكومة نالت الثقة في 11 شباط (فبراير) الماضي، لكن "واجهتنا مشكلة سندات الدين العام ثم جائحة كورونا. بدأنا فعلياً العمل منذ أول أيار، وبالتالي فترة العمل في الإصلاحات بدأت منذ 3 أشهر".

حذف رئيس هذه الحكومة ثلاثة شهور وأكثر من عمرها بلا مبرر مُقنع. ذاك أنها وُلدت من مخاض أزمة مالية واقتصادية وسياسية، وكانت السندات وأزمتها مُجدولة ومتوقعة. أما أزمة جائحة الكورونا، فهي أعطت الحكومة متنفساً سياسياً لإقرار الإصلاحات الموعودة، بعيداً عن ضغط الشارع والمواجهات الدائرة فيه. لكن دياب ارتأى حذف هذه الشهور من أساسها، وبدأ بتعداد "إصلاحات" غريبة منها تعيين لجنة وزارية لمتابعة الاصلاحات (هذا انجاز في قاموس السلطة)، واعتماد أجهزة مسح ضوئي (سكانر) على الحدود، وإقرار تحقيق جنائي.

لكن اللهجة في الكلام تضمنت تحذيراً ولوماً للخارج. أولاً، لوّح رئيس الحكومة بورقة اللاجئين: "المجتمعات المضيفة للنازحين بدأت تشعر بهواجس من وجود النازحين، والنازحون بدأوا يشعرون بعدم الراحة، وهذا أمر خطير". وثانياً، طلب من فرنسا تسريع المفاوضات مع "صندوق النقد الدولي"، ومن ثم ألقى اللوم عليه في تعطيل ملف الكهرباء، نظراً للربط بين الإصلاح في هذا القطاع، وبين المفاوضات.

ولوم الخارج هنا بالعرقلة في ملف الكهرباء، وفي منح لبنان مساعدات مالية يحتاجها، يكتسب زخماً لدى الحكومة التي باتت تعتمد مفردات مثل "الإرهاب الاقتصادي" في وصف الأزمة المالية. وفقاً لهذا المنطق، يُعرقل صندوق النقد ملف الكهرباء، ويفرض الغرب حصاراً مالياً خانقاً على لبنان، وبالتالي فإن أسباب الأزمة سياسية. وفي موازاة ذلك، تبتكر الحكومة "إنجازات" من قبيل تشكيل لجان وتعيين هيئات، وهي تستنسخ في ذلك نهج وزير الخارجية السابق جبران باسيل خلال السنوات الماضية.

الواقع أن هذه الحكومة شُكلت على صورة باسيل ووفق منطقه السياسي، وصارت تُمثل نهجاً أكثر فداحة ونُسخة رديئة من تركيبة طالب مئات آلاف اللبنانيين بإسقاطها العام الماضي.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024