الاصلاحيون يفارقون روحاني!

حسن فحص

الأربعاء 2019/05/01
ما هي الفائدة من الاستمرار في الاتفاق النووي في ظل النقض الامريكي المستمر له وتردد الاوروبيين في تنفيذ التزاماتهم؟ لماذا لا نستخدم ضمانة الانسحاب المتقابل من الاتفاق؟ هذه الاسئلة تقدم بها النائب الاصلاحي محمود صادقي الى رئاسة البرلمان لاستجواب وزير الخارجية محمد جواد ظريف، ردا على تمسك الحكومة بالاتفاق وعدم الانسحاب منه.

قد تشكل هذه الخطوة تعبيرا عن ارتفاع وتيرة الانقسام داخل التيار الاصلاحي حول الاستمرار في دعم حكومة روحاني والاتفاق النووي وعدمها، اضافة الى تبادل الادوار مع التيار المحافظ الذي سبق ان استجوب الوزير ظريف على خلفية الموقف نفسه. الا ان التصعيد الاصلاحي الذي بدأ بالتنامي في مواجهة سياسات الحكومة وادائها في الازمات الداخلية والخارجية، يأتي هذه المرة حاملا رسالة واضحة للطرف الاوروبي الشريك المفترض في الاتفاق النووي والذي وعد بتوفير آليات تساعد في بقاء ايران في الاتفاق، لكن من دون نتائج ملموسة. خصوصا بعد ان برهن الجانب الاوروبي عن عجزه في تنفيذ "انستكس- INSTEX " آلية التعامل المالي البديل عن سويفت على مدى سنة من اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب قراره بالانسحاب من الاتفاق وفرض عقوبات مشددة ضد ايران على جميع المستويات، خصوصا النفطية.

التغير في موقف التيار الاصلاحي قد لا يكون محصورا في الموقف من اداء روحاني وركونه للوعود الاوروبية في مواجهة العقوبات، بل قد يحمل مؤشرات على افتراق بات ضروريا بين هذا التيار والقوى المعتدلة المحسوبة على روحاني على ابواب التحضيرات للانتخابات البرلمانية، ومحاولة من الاصلاحيين للتنصل من اداء روحاني وفريقه في ادارة الملفات الداخلية والخارجية على حد سواء، وبالتالي اعادة رسم مسار منفصل عن المسار الذي استمر على مدى السنوات الست الماضية والتي جند فيها الاصلاحيون كل مقدراتهم وطاقاتهم وتمثيلهم الشعبي من اجل ايصال وتثبيت روحاني في رئاسة الجمهورية، وهو مسار وان كان يصب في اطار استراتيجية الاصلاحيين في مواجهة المحافظين وقطع الطريق على وصول مرشحهم الى السلطة التنفيذية، الا ان الاثمان التي تكبدوها على المستوى الشعبي باتت اكبر من قدرتهم على تحمل خسارة هذه القاعدة من دون تحقيق مكاسب، اضافة الى ان انعكاسات السياسات الاقتصادية لادارة روحاني اصابت هذه القاعدة التي تتحمل عبء نتائجها السلبية في وقت كانت الوعود باوضاع اكثر انفتاحا على المستوى الاقتصادي.

التوجه الاصلاحي الذي بدأ بالتبلور، يحمل رسالة لروحاني المتهم بانه ادار ظهره للقوى التي قدمت له الدعم وساندته في الوصول الى الرئاسة ووقفت الى جانبه في الازمات المفصلية، بان المرحلة المقبلة تختلف عن السابق، لجهة ان رهانهم مع روحاني بان يشكل الاتفاق النووي خطوة جدية على طريق على اجبار النظام والتيار المحافظ على احداث تغيير في آليات تعاملهم مع الازمات الداخلية والدولية، اضافة الى تخفيف الضغوط على الحياة والحريات السياسية والاجتماعية، وتوظيف الانجاز النووي والاتفاق مع القوى الدولية لابلاغ هذا النظام بان التعاون مع المجتمع الدولي بمقدروه ان يساعد ايران في الخروج من الازمات التي تواجهها والتحديات التي تحيط بها، وان التنازلات المدروسة في اطار استراتيجية واضحة تحافظ على المصالح الايرانية الداخلية والاقليمية والدولية تعيد انتاج الدور والموقع الايراني وتفتح الحياة السياسية على تنوعات المجتمع الايراني المتعددة.

ومن ناحية اخرى، فان التصعيد الاصلاحي في مواجهة الاطراف الاوروبية يعني ان هذه القوى التي كانت تراهن على دور اوروبي مساعد لاخراج ايران من المأزق الامريكي، باتت بالمستوى نفسه مع واشنطن، ما يفرض على القوى الايرانية بمختلف توجهاتها واتجاهاتها توحيد موقفها في اطار الدفاع عن المصالح الايرانية امام تنصل المجتمع الدولي من التزاماته والسير مع الرغبات والقرارات الامريكية، وبالتالي فمن غير الممكن ان يبقى الاصلاحيون من دعاة الحوار والتمسك بالاتفاق النووي في وقت لم تحرص هذه الدول على المساعدة امام ما يتهدد ايران من صعوبات موعودة جراء العقوبات المشددة. وان الانتظار للوفاء بالوعود التي قدمتها اصبح بلا فائدة وغير ذي جدوى، ولم يعد بمقدور هذه القوى التمسك بخيار البقاء في الاتفاق النووي والدفاع عنه، بحيث يضعها في دائرة خيانة المصالح الوطنية. ما يعني ان الرسالة الاصلاحية للاوروبيين تريد القول بانه وامام المصالح القومية في الداخل والخارج ليس هناك انقسام بين القوى الايرانية وان المحافظين لن يكونوا اكثر تشددا في الدفاع عن هذه المصالح من الاصلاحيين، وبالتالي فان وحدة الموقف الداخلي التي شدد عليها مرشد النظام والقيادات المحافظة لمواجهة التحديات التي فرضتها واشنطن ستعيد رسم المشهد الايراني السياسي في المرحلة المقبلة.

الموقف الاصلاحي، يترافق مع اعتراف مراكز القرار في النظام الايراني ان العقوبات الامريكية الجديدة هي الاقسى والاقوى ضد ايران وانها تستهدف الاقتصاد الايراني وحياة المواطنين. ومع ان هذه الطبقة تحاول التقليل من امكانية تطبيق هذه العقوبات بشكل واسع وتام، الا انها ترى ان العقوبات النفطية هي بمثابة حرب اقتصادية والحلقة الاخيرة في المواجهة الامريكية الايرانية. وبالتالي فان الوصول الى هذه النقطة لن يبقى من دون رد، الامر الذي يستدعي من طهران ترتيب اولوياتها في المواجهة من خلال التركيز على منع الادارة الامريكية من تحقيق اهدافها وارادتها، وهو ما حاول تأكيده المرشد الاعلى للنظام بقوله ان ايران ستصدر النفط بالمقدار الذي تريده وتحتاجه، ولن تسكت على ما تتعرض له من اعتداءات والعمل لتحويل هذه العقوبات الى فرصة من اجل النهوض بالاقتصاد الايراني.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024