ايران والسير على حد السكين

حسن فحص

الأربعاء 2019/05/22
ان يخرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ليعلن موقفا محايدا في الازمة الامريكية الايرانية، وان بلاده لا يمكن ان تلعب دور رجل الاطفاء في الازمات التي تشعلها ايران او امريكا، يعني ان الجانب الايراني خسر الرهان على دور روسي في التوصل الى نقطة وسط بينه وبين الامريكي لايجاد مخارج للتصعيد المسيطر بينهما والذي يهدد بالوصول الى المواجهة العسكرية.

بوتن لم يذهب الى توريط بلاده في موقف مؤيد للقرار الايراني بتخفيض التزاماتها بتعهدات الاتفاق النووي، وفي المقابل لم يحملها وحدها مسؤولية ما وصلت اليه الامور، لكنه اشار الى ان العالم لن يتذكر في النهاية او عند نشوب حرب مواقف واشنطن، بل سيتذكر اخلال ايران بالاتفاق. ما يعني انزعاجه من الاجراء الايراني الذي صدر عن المجلس الاعلى للامن القومي من دون التشاور مع شركاء كان لهم الدور الاكبر والابرز في صياغة هذا الاتفاق واقناع الاطراف الاخرى بالتوقيع عليه.

وبغض النظر عن الجهة التي قصدها بوتن في كلامه: الجانب الامريكي والقرارات التصعيدية التي اتخذها سيد البيت الابيض دونالد ترمب، ام الجانب الاوروبي الذي لم يتحمل مسؤولية الدفاع عن الاتفاق النووي ومحاولة التخفيف من حدة القرارات الامريكية، ام الجانب الايراني الذي فضل الذهاب الى خيارات بناء على قراءة داخلية لم تأخذ بالاعتبار امكانية ان تلعب قوى قريبة او شريكة دوراً في التخفيف من حدة التصعيد ومنعه. فجأة بدا موقف بوتن وكأنه يعلن الحياد في موضوع العقوبات المترافقة مع التهديدات العسكرية  الامريكية، ويوحي بان على جميع الاطراف عدم التوقع بان تقوم بموسكو بدور اطفاء الحرائق التي يشعلها الاخرون، في وقت تقاتل فيه على اكثر من جبهة للمحافظة على ما في يدها من اوراق.

موقف الرئيس الروسي ولد خيبة امل لدى اوساط في القيادة الايرانية، لانها كانت تتوقع موقفاً روسياً اكثر حزما في اللقاء الذي جمع بينه وبين وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو في سوتشي، او على الاقل موقفا يقترب من الموقف الذي صدر عن وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في بروكسل في لقائهم مع بومبيو قبل وصوله الى موسكو بالتمسك بالاتفاق ورفض العقوبات الامريكية، خصوصا وان طهران تعتبر المصالح والمشتركات التي تجمع بينها وبين موسكو تستدعي ان يسمع الامريكي رسالة واضحة من بوتن برفض العقوبات والتصعيد العسكري والتهديد بضرب ايران.

قد تكون موسكو غير راغبة في ان تصل الامور بين طهران وواشنطن الى هذا المستوى من التصعيد، لكن لا يمكن ايضا عدم النظر الى امكانية ان ترقص مع كل الطرفين كل على حدة على انغام مصالحها التي لا تبدأ في كراكاس الفنزويلية ولا تنتهي على المساحة السورية. انطلاقا من معرفتها بحاجة الطرفين لدورها في لعب دور الاطفائي الذي ترفضه علانية من دون معرفة حجم الارباح والمصالح التي قد تحصل عليها منهما.

ومع تزايد التوتر والاستنفار العسكري، وان كان في اعتقاد موسكو وجميع الاطراف نسبياً انه لن يؤدي الى الانفجار، فان الحاجة لطرف يساعد في نزع الالغام وفتح قنوات حوار او تسهيل نقل الرسائل تزداد يوما بعد يوم، لذلك فان الاجندة الروسية حافلة بالمطالب التي تسعى للحصول عليها من الطرفين. فمن جهة لا يمكن اعتبار الوضع الاقتصادي الروسي افضل حال بكثير من الوضع الايراني لجهة العقوبات الامريكية وحتى الاوروبية ضدها على خلفية ازمة القرم والصراع في اوكرانيا، وتواجه ضغوطا كبيرة في التعامل مع التشدد الامريكي في موضوع فنزويلا التي تعتبر واحدة من اخر قنوات التأثير على خاصرة الولايات المتحدة، مرورا بالازمة الكورية الشمالية.

ولعل الموضوع السوري يعتبر الاكثر الحاحا على اجندة موسكو في التعامل مع واشنطن وطهران. فهي وان كانت لا ترغب بالدخول في مواجهة مباشرة مع طهران على الساحة السورية بهدف تحجيم وتقليص دورها في هذا البلد، الا انها لن تقف حائلا دون الضغوط الامريكية، من دون التخلي عن طهران، في هذا الاطار، اي انها ومن خلال رفض التدخل لصالح طهران بوجه التصعيد الامريكي، لا تعتبر نفسها معنية في الوقوف الى جانب الشريك الايراني في مواجهة المطلب الامريكي بالحد من النفوذ الايراني في الاقليم والشرق الاوسط. ما يعني انها ستقف على الحياد في هذا الاطار، لان اي نتيجة قد تصل لها الضغوط الامريكية في الموضوع الاقليمي والنفوذ ستكون او ستصب لصالحها، فاي تراجع للدور الايراني في سوريا يعني مزيدا من التفرد الروسي بالقرار السوري وتحولها الى الطرف الوحيد في تقرير مصير الاشتباك مع واشنطن على هذه الساحة وفي رسم مستقبل هذا البلد، وتراهن على امكانية ترميم الموقف مع ايران في المستقبل من باب التشارك في المصالح الاستراتيجية الاوسع.

استمرار ايران في رفض التفاوض بالشروط الامريكية، في ظل تأكيدها عدم وقوع الحرب نتيجة رغبة وارادة لدى كل الاطراف المعنية بالتصعيد العسكري، خاصة هي والولايات المتحدة، الا ان المعركة السياسية والاقتصادية ما تزال قائمة وستستمر بشدة اكبر واعنف، وبالتالي فان الحصار الاقتصادي سيزداد تشديدا، ما قد يضع مصير النظام على حافة السقوط من الداخل، وبالتالي تحقيق الهدف الذي تريده واشنطن والكثير من الدول الاخرى المعنية بمحاصرة الدور الايراني الاقليمي او تلك التي تتخوف من تهديد البرنامج الصاروخي الذي تملكه على امنها واستقرارها.

لا شك ان استمرار ايران برفض الجلوس الى طاولة المفاوضات في ظل الشروط الامريكية، قد يعني السير على حافة السكين، والمخاطرة بالوصول الى الانهيار الداخلي الذي لا تمانع واشنطن بحدوثه لانه سيكون بمثابة هدية مجانية قدمها النظام لهذه الادارة من دون ان تتورط بحرب معه. لذا يبدو ان الجدل الداخلي حول التفاوض وعدمه والحركة الدبلوماسية التي يقوم بها وزير الخارجية محمد جواد ظريف، وان كانت في جزء منها بهدف التوصل الى تفاهمات حول التعاون الاقتصادي والالتفاف على العقوبات الامريكية، الا انها تأتي محكومة بهذه المخاوف. هذه المخاوف هي التي جعلت من طهران مقصدا لعدد من الوسطاء القريبين من واشنطن وعلى علاقة مقدمة مع طهران في محاولة لتدوير الزوايا والتوصل الى نقاط تفاهم تساعد الطرفين على التفاوض، خصوصا الجانب الايراني لابعاد شبح الانهيار الاقتصادي.




©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024