دفاعات روسية ضد"غارات لاحقة"

بسام مقداد

الأربعاء 2019/01/23

على الرغم من الهمروجات الإعلامية – الدعائية ، التي ترافق كل غارة إسرائيلية على أهداف في سوريا ، إلا أن لكل طرف من الأطراف المنخرطة في الحرب السورية تأويله لدوافع ونتائج كل واحدة من هذه الغارات ، بغض النظر عن رأي الآخرين في صحة هذا التأويل . ولم تخرج الغاراتان الإسرائيليتان الأخيرتان، نهار الأحد المنصرم وليل الإثنين، عن هذا السياق للغارات السابقة، إذ كان لكل طرف من الأطراف المعنية تأويله للغارتين، وتقييمه لنتائجهما وللسياق السياسي الذي أحاط بهما.

وإذا تجاوزنا ردة فعل السوريين والإيرانيين ، ضحايا الغارتين ، والتي لم تخرج عن إطار البروباغندا التقليدية المعروفة الموجهة ، بصورة أساسية ، للداخل في كل من البلدين ، فقد كان تقييم كل من الروس والإسرائيليين للغارتين مختلفاً كلياً .

لم تصدر إدانة روسية صريحة للغارتين ، حسب صحيفة هآرتس ، كما درجت عليه العادة ، خاصة بعد سقوط الطائرة الروسية إيل – 20 في أيلول/سبتمبر الماضي، واكتفى إعلام الكرملين بتكرار، شبه حرفي، لما نشره الإعلام الرسمي السوري في هذا الصدد. ولم تجد صحيفة الكرملين "vz" ما يستحق التوقف عنده في هذا الصدد، سوى مسألة تدمير بطارية الصواريخ السورية المضادة للطيران من قبل إسرائيل. ولم تتوقف الصحيفة عند ما ذكرته هآرتس من أن الغارات ، لم تدمر بطارية صواريخ واحدة ، بل دمرت أكثر من ثماني بطاريات ورادار، وحددت أنواع عدد منها. وتجاوزت صحيفة الكرملين ما يحمله هذا الأمر من رسالة واضحة لروسيا بالذات، بأن إسرائيل قد تخطت بذلك كل التحذيرات والتهديدات الروسية، التي أعقبت سقوط الطائرة المذكورة ونصب صواريخ S-300 في سوريا.

إن توقف صحيفة الكرملين عند مسألة تدمير بطارية الصواريخ هذه ، وإلقاء المسؤولية على السوريين في ذلك، وتجاوزها كل الرسائل السياسية والعسكرية ، التي حملتها الغارات الإسرائيلية الأخيرة ، يشير إلى الأهمية التي يوليها الكرملين لسمعة السلاح الروسي في حملته السورية . والأمر يتخطى الدعاية التسويقية لهذا السلاح، التي لم يهملها الكرملين طيلة فترة انخراطه في الحرب السورية، بل هو يتوخى دائماً التركيز على الدور الأساسي، الذي يوليه لهذا السلاح في حربه مع الغرب، التي تشكل سوريا الجبهة المتقدمة فيها.

لكن ردة الفعل الروسية على الغارات الإسرائيلية الأخيرة، لم تقتصر على عدم الإدانة الصريحة  لها والتركيز على التقصير السوري في إبراز كفاءة السلاح الروسي، بل برزت أيضاً في اللوم الشديد للكرملين من قبل القوميين الروس، لعدم تمتعه "بالجرأة السياسية" من أجل استخدام الدفاعات الجوية لصد الغارات الإسرائيلية الراهنة، وتأجيله الدائم "لصد غارات لاحقة" على سوريا. فقد كتب موقع هؤلاء، "SP" في 21 من الجاري، تحت عنوان "طيران إسرائيل الحربي يدمر صواريخ "بانتسير" و"تورا" الروسية: أين هي صواريخ S-300 المخيفة"، ويتساءل، "لماذا لا يقاتل سلاح الدفاع الجوي، الذي يسوق له بوتين، بأنه الأفضل في العالم ، طائرات F-16 الماجنة" .

ينقل الموقع عن القائد الأسبق لقوات الصواريخ في القوى الجوية الروسية الجنرال ألكسندر كاركوف استغرابه لعدم مشاركة صواريخ S-300 في صد الطيران الإسرائيلي في غارتي الأحد وصباح الإثنين المذكورتين وما سبقهما، ويعتبر أنه آن الأوان للرد على إسرائيل، على نحو يجعلها "تتخلى إلى الأبد عن الرغبة في توجيه ضربات إلى أراضي الغير". ويشير الجنرال إلى وجود مستشارين روس مع كل الأطقم السورية العاملة على بطاريات صواريخ S-300 ، لكنه يبرر عدم استخدام هذه الصواريخ بتحاشي دخول الطائرات الإسرائيلية الأجواء السورية، واستخدامها الأجواء اللبنانية لتوجيه ضرباتها. ويقول بأن مدى هذه الصواريخ يشمل الأجواء اللبنانية، بالطبع، لكن ليس من أوامر لإطلاقها "فوق رؤوس اللبنانيين، لأن لبنان ليس سوريا ولا إسرائيل" .

ورداً على سؤال الموقع، ما إن كان الأمر الأساسي يتمثل في غياب الإرادة السياسية لدى موسكو ، يرد الجنرال بالإيجاب، ويقول"لو تحلينا بالشجاعة، وأسقطنا طائرة F-16 واحدة فوق لبنان، لكانت انخفضت الرغبة لدى تل أبيب بضرب سوريا من جهة هذا البلد".

وحول المستوى، الذي ينبغي عليه أن يتخذ مثل هذا القرار، يقول الرجل "أنتم أنفسكم تعرفون من هو الوحيد في روسيا، الذي يصدر مثل هذه الأوامر"، لكن للأسف، ليس من أمر حتى الآن، ولهذا فقط تستمر الغارات على دمشق وضواحيها .

إن رغبة القوميين الروس الجامحة في معاقبة الصلف الإسرائيلي، وقناعتهم بأن لا شيئ يحول دون إصدار بوتين أوامره بإسقاط "طائرة إسرائيلية واحدة" فوق لبنان، تستمد قوتها من السعار القومي الروسي ، الذي يغذيه الكرملين نفسه ويستند إليه في تثبيت دعائم سلطته، ومن الإعتقاد الراسخ بتمدد النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط ككل ، وليس في سوريا فحسب .

أما من الجانب الإسرائيلي، فثمة قناعة، كما يبدو، بان الغارتين الأخيرتين تحملان ما هو مختلف عن الغارات السابقة، وتنطويان على ملامح مقاربة إسرائيلية جديدة للوضع الراهن في سوريا. فقد نقل موقع "VESTY" الإسرائيلي الناطق بالروسية، الأحد في 20 من الجاري ، عن المحلل العسكري لموقع "Ynet" رون بن إيشاي ، قوله بأن الغارة الإسرائيلية الأحد المنصرم في وضح النهار قد يعني ظهور نوع جديد من الضربات لسوريا. ويقول بأن الغارة نفسها والرد السوري عليها بصواريخ على جبل الشيخ ، حرمون ، قد يعنيان ظهور عناصر جديدة في مقولة "حروب بين المتحاربين" العسكرية ، التي تضم ثلاثة مكونات : الصد، ضرب تنظيم العدو ولجمه .

ويتفق مع المحلل العسكري الإسرائيلي هذا الكاتب في صحيفة هآرتس عاموس هاريل ، ، في ما نقله عنه موقع "Detaly" الإسرائيلي الناطق بالروسية في 22 من الشهر الجاري . يقول هذا الكاتب ، أن أحداث الأحد في 20 من الجاري في سوريا تختلف عن الضربات الجوية السابقة "المنسوبة لإسرائيل". فالغارة الإسرائيلية تمت في وضح النهار، وردت القوات السورية عليها من منطقة مجاورة للحدود الإسرائيلية في وقت متأخر جداً، وليس بالمضادات الجوية، بل بصواريخ "أرض أرض". ويقول ، بأنه قد تم أثناء الغارة تدمير "ما لا يقل عن ثماني" بطاريات مضادات جوية ، ولم تعمد أطقم المضادات الجوية السورية والروسية إلى تشغيل بطاريات المضادات الجوية الأكثر حداثة من طراز S-300  .

وبعد أن يشير الكاتب إلى أن روسيا لم تقم "حتى الآن" بإدانة صريحة للضربة الإسرائيلية ، يقول بأن إسرائيل تحاول الإحتفاظ بحرية حركة طيرانها الحربي "حتى بعد انتصار الأسد في الحرب الأهلية"، على الرغم من جهود روسيا لوضع حد للغارات الإسرائيلية .

ويخلص هذا الكاتب للقول، بأنه لم تتشكل بعد قواعد جديدة للعبة في سوريا بعد تثبيت نظام الأسد . وتحاول إسرائيل، كما في السابق، مواصلة توجيه الضربات إلى إيران وحزب الله ، دون أن تصطدم مع روسيا، وهي المشكلة ، التي على رئيس الأركان الإسرائيلي الجيد حلها في الأشهر القريبة القادمة .

23-1-2019

بسام مقداد










©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024