قمة أنقرة:أحلام وأوهام

عائشة كربات

الأربعاء 2019/09/18
الآلية الثلاثية بين تركيا وروسيا وإيران بشأن سوريا ناجحة كما ثبت بالأمس في أنقرة بطريقة مثيرة للاهتمام للغاية. لا تزال هذه القوى الثلاث التي تتناقض حول نهاية اللعبة في سوريا، والتي تتضارب مصالحها في الميدان، قادرة على اللقاء. كلما أعلن الخبراء أن هذه الآلية ميتة، وقادرة على تحقيق بعض النتائج.
في الاجتماع الخامس للآلية، كانت هناك نتيجة ملموسة: بعد 18 شهراً من المناقشات، تم في النهاية تشكيل اللجنة الدستورية.
تشكيل اللجنة يعني أن العملية السياسية لمستقبل البلاد قد تبدأ. أنقرة تريد المزيد من التدخل الغربي من الآن فصاعداً لأنها تعلم جيداً أن الأموال اللازمة للعملية سياسية وإعادة تأسيس سوريا سوف تأتي من هناك. لكن كما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يجب أن تكون اللجنة قادرة على الابتعاد عن ضغوط الغرباء.
أثار الرئيس الإيراني حسن روحاني رأياً مختلفاً تماماً؛ ستكون بعض "المراجعات" في الدستور السوري كافية، مما يعني أنه يعارض الدستور الجديد. إلى جانب ذلك، فكيفية عمل اللجنة الدستورية وعلى أي مبادئ، ليست واضحة على الإطلاق. والأسوأ من ذلك، أن النظام السوري، بينما كان يستولي على إدلب قطعة قطعة، ليس جاهزاً لتقديم تنازلات على الطاولة.
أحد الأشياء التي لم تكن متوقعة قبل الاجتماع، ولكنها حدثت بالفعل، هي اتخاذ أي قرار يتعلق بإدلب. قبل أيام قليلة من القمة، قال أردوغان ل"رويترز"، إن تركيا ستحتفظ بمواقع عسكرية في إدلب. بقوله ذلك يكون قد منع بوتين وروحاني من طلب سحب الجنود الأتراك في إدلب من أجل فتح الطريق لجيش النظام. لكن كما أشار بوتين في القمة، فإن الكفاح ضد "الإرهاب" في إدلب يعني أن هجمات النظام ستستمر. لكن الجنود الأتراك سيكونون في أمان، الإعلان المشترك للقمة يؤكد أن الأطراف ستتخذ تدابير ملموسة لحماية جنود بعضهم البعض في الميدان.
توفر القمة أيضاً منبراً للقادة لإثارة مشاكلهم الأكثر إزعاجاً في ظل النظرات المريحة للآخرين. على سبيل المثال، أثار أردوغان مسألة المنطقة الآمنة في شرق الفرات التي يحاول تأسيسها مع الولايات المتحدة. في المؤتمر الصحافي، لم يشر إلى "المنطقة الآمنة" كثيراً، بل استخدم عبارة "ممر السلام" أو "القتال ضد الإرهاب". لكنه قال إنه إذا لم يتمكن من الاتفاق مع الولايات المتحدة في غضون أسبوعين، فستنفذ تركيا خطتها. 
كان يعلم جيداً أن الزعيمين الآخرين يعارضان تماماً الوجود الأميركي ولا يخفيان أنهما حساسان لكلمة المنطقة الآمنة. لكنها يدركان أيضاً أنه في ظل الظروف الحالية، ليس من السهل على أنقرة أن تنفذ خطتها وأن تفعل شيئاً ضد رغبات الولايات المتحدة، خاصة وأن الاقتصاد التركي لا يسير على ما يرام والولايات المتحدة تهدد تركيا بفرض عقوبات بحال القيام بأعمال من جانب واحد في شرق الفرات.
هذه القمم الثلاثية هي أيضاً منصات مناسبة لمشاركة أحلامهم. كرر أردوغان مرة أخرى حلماً آخر يتحدث عن بناء منازل للاجئين السوريين في تركيا في المنطقة الآمنة المزعومة، على مساحة 250 متراً مربعاً لكل عائلة مع مساحة أخرى تبلغ 250 متراً مربعاً مناسبة للزراعة. وأضاف أنه لهذا الهدف تحدث إلى ميركل وماكرون وحتى ولي العهد السعودي. وأضاف أردوغان أنه إذا أمكن القيام بذلك، فقد يذهب مليونان من اللاجئين السوريين في تركيا إلى هذه المنطقة الآمنة. لقد ذهب بحلمه أبعد وتحدث عن حملة دولية لإنجاحه. تحدث مثل مقاول تركي حقيقي.
تعد قمم الآلية الثلاثية هذه مثالية أيضاً لمن لا يزالون قادرين على الحفاظ على قدرات التعلم والشعور بالحرج. كانت اللحظة التي أشار فيها بوتين إلى القرآن، إحدى تلك اللحظات. تحدث عن اليمن، فذكر أن الكتاب المقدس يطلب من المسلمين التوصل إلى اتفاقات سلام في ما بينهم. بعد ذكر هذا، أضاف بوتين على الفور أنه مستعد لبيع الأسلحة للمساهمة في السلام في المنطقة.
كان هذا هو درس القمة، ألم نصل إلى هذه النقطة الدموية بسبب مصالح القوى الإقليمية والعالمية على أي حال؟.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024