ماذا لو بقينا في2020؟

عمر قدور

السبت 2021/01/02
اتفق البشر على لعنها كما لم يتفقوا على أمر آخر، مع لهفة إلى اللحظة الرمزية التي تعلن نهايتها هنا وهناك بفارق التوقيت المعروف بين مختلف أنحاء العالم. إلا أن استثنائية السنة المنقضية قد تقلل من رمزية لحظة منتصف الليل تلك، بقدر ما تضفي عليها من أهمية. بل يجوز، لاستثنائيتها، الظن بأننا غادرناها قبل تلك اللحظة، أو أننا ما زلنا مقيمين فيها.

إذا كانت تؤرَّخ بـ"سنة كورونا" نستطيع تأريخ نهايتها بمستهل الأسبوع الثاني من ديسمبر، عندما بدأت بريطانيا حملة التلقيح ثم تبعتها الولايات المتحدة بعد أسبوع، وما بينهما قليل من الدول الصغيرة الثرية. لبريطانيا تحديداً، هي نهاية حافلة؛ الشروع في ما بعد كورونا، ثم طي قرابة نصف قرن من عضوية الاتحاد الأوروبي مع الدقيقة الأولى لعام 2021.

فارق التوقيت سيكون مديداً على توقيت اللقاح، فبعض التقديرات يشير إلى أن دولاً فقيرة قد لا تحصل عليه قبل عام 2023، بينما دولة مثل الولايات المتحدة اشترت كمية كافية لتلقيح كل سكانها ست مرات. دول الاتحاد الأوروبي نفسها ليست على الموجة ذاتها، فهناك دول أنهت مبكراً استعداداتها الإدارية واللوجستية لتقديم اللقاح، بخلاف دول ستكون وتيرتها بطيئة لافتقادها الديناميكية المطلوبة، وأيضاً لا يُستبعد أن يكون بعض التمهّل متعمداً في انتظار لقاح أوكسفورد الذي لا يتطلب مشقة خاصة بالمقارنة مع لقاحي فايزر ومودرنا.

وفق توقيت كورونا، وبموجب التقديرات الحالية لتوزيع اللقاح، لن تدخل دول الاتحاد الأوروبي عام 2021 قبل انقضاء الأشهر الستة الأولى منه، ومَن ليس لهم أولوية تلقيه عليهم الانتظار طويلاً في عام 2020. ذلك قد لا يكون بلا أثر سلبي على مكانة الاتحاد، إذا أنجزت بريطانيا "الخارجة منه" حملتها بسرعة شديدة، وكذلك فعلت الولايات المتحدة ودول ثرية نسبياً وقليلة السكان، ولن يكون بلا أثر على حكومات أخفقت في التعامل مع الجائحة أو تعمدت الاستهانة بها.

الصين، بتوقيت الحزب الشيوعي، سبقت الجميع بالقفز إلى العام الجديد، أي منذ العاشر من آذار، عندما زار الرئيس الصيني مدينة ووهان ليعلن منها السيطرةَ على الوباء. بعد ذلك الإعلان، لن تسجل الصين رسمياً وفيات جراء الفيروس، والقليل من الإصابات سيُنسب معظمه إلى حالات وافدة! بصرف النظر عن مصداقية الأرقام المعلنة، نجح الحزب الشيوعي في السيطرة "الديكتاتورية" على الوباء، بعد نجاحه في التكتم عليه حتى انتشر عالمياً. المفارقة المرّة، التي لا يُلام عليها المواطنون العاديون، أن تكتظ ساحات ووهان بالمحتفلين برأس السنة بينما تخلو ساحات العالم. لقد ضحك قادة الحزب أولاً، في انتظار معرفة من سيضحك أخيراً، وما إذا كان التكتم الشيوعي على الوباء سيمر بلا عواقب على الاستثمارات الغربية في الصين حين تسترد الاقتصاديات الكبرى أنفاسها.

لدينا توقيت مقبل، يجوز أيضاً اعتباره استهلالاً متأخراً لسنة 2021. في العشرين من هذا الشهر سيُنصّب بايدن رئيساً للولايات المتحدة، والحدث استثنائي لدى متطلعين كثر حول العالم إلى نهاية ولاية ترامب. الأخير، منذ ترشحه حتى يغادر البيت الأبيض، لا يقل خطورة عن كورونا من وجهة نظر خصومه، وسيكونون سعداء لا بالخلاص منه فحسب وإنما بمرور ولايته من دون تحقق أسوأ الكوابيس المتوقعة منه.

إنه كما نعلم ليس توقيتاً داخلياً أمريكياً، الأنظار ستكون متجهة إلى واشنطن لمعرفة السياسات الجديدة، والتطلعات المتفائلة جداً قد تُفرمل كما أُعيقت من قبل نزوات ترامب. الأهم أن الخلاص من الأخير لن يكون على النحو المشتهى من قبل، فهو لن ينتهي كطفرة عابرة ألمت بالحزب الجمهوري. الترامبية باقية بصيغة أو أخرى، وستتغذى من خصومها إذا لم يكن من جديد لديهم سوى الاستثمار في الخوف منها.

فارق التوقيت بين البلدان موجود منذ آلاف السنين، موجود بتعاقب الحضارات والإمبراطوريات وأفولها، وموجود أيضاً ضمن البلد الواحد بسبب فوارق طبقية أو اجتماعية أو فكرية. فقط على توقيت كورونا ظهر العالم واحداً بمخاوفه، ليعود إلى الافتراق كما هو عهده دائماً إذا أخذنا جانب التفاؤل، أو ليعود أسوأ مما كان إذا أخذنا جانب التشاؤم الذي لا يفتقد الواقعية.

لن تقتصر الفوارق على فرص النجاة من كورونا، رغم آثارها النفسية، وما ستولّده من أحقاد قد تؤدي لاحقاً إلى العنف ضمن بعض البلدان، أو ذلك العابر الحدود. الناجون أولاً، الحكومات الثرية التي اضطرت إلى تمويل برامج اجتماعية أو اقتصادية بسبب سياسة الإغلاق تتحفز إلى استرداد المبالغ الضخمة، وهذا سيلقي بثقله على النخب السياسية فيها، وربما على طرائق التفكير السياسي. إذا كان هناك من يردّ جزءاً من أسباب صعود الشعبوية إلى الأزمة المالية لعام 2008، لنا أن نتخيّل الآثار المحتملة لأزمة ربما تعادل أزمة الكساد الكبير 1929 وأزمة 2008 معاً، مع التذكير بأن آثار الأولى منهما تعتبر مما مهّد للحرب العالمية الثانية.

ما عُدّ سلوكاً أنانياً في التسابق على شراء كميات فائضة من لقاح كورونا، من المرجح أن يكون نسخة لطيفة من السياسات التي سنشهدها للقوى الكبرى التي تتهيأ الآن لعالم ما بعد كورونا. مثلما تراودنا كأفراد نوايا تعويض الحياة التي فاتنا عيشها في عام 2020، هناك قوى كبرى "سياسية واقتصادية" تفكر في تعويض خسائرها، ولا تعوّل على انتعاش تدريجي بطيء، بل ستستعجل التعويض بشتى السبل داخلياً وخارجياً. هناك أيضاً نزاعات دولية وإقليمية تم تجميدها بسبب كورونا، ويعِد العام الجديد بالتعويض واستئناف تلك الاستحقاقات المتبقية من العام الفائت مع نظيراتها المستجدات.

الخبر المؤسف أن جراح عام 2020 ستبقى معنا، مع الافتقار إلى ما يسند الأمل بعالم أكثر تضامناً. نخطئ إذا نسبنا لكورونا مهمة الواعظ الناجح، وإذا نسبنا لعموم البشرية سعياً إلى عالم أكثر إنصافاً. منطقتنا تحديداً قد تكون المثال على خيبة الأمل، بأثريائها الجاهزين دائماً لدفع ثمن سياسات القوى العظمى، وبأناسها العاديين الذين يُراد إرجاعهم إلى ما قبل عام 2011 محمّلين بثقل كورونا فوق إخفاقات العقد الأخير كله. سوريا، اليمن، ليبيا، وأخيراً لبنان؛ هذه جميعاً أمثلة على الاستحقاقات التي تفصلنا عن عام 2021.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024