المظلومية الشيعية من أميركا

مهند الحاج علي

الإثنين 2019/08/19

من يتابع خطابات الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله وبعض قيادات التنظيم لا يفوته التركيز على بناء المظلومية الشيعية ضد الولايات المتحدة وحربها المالية. تحديداً، يعكف "حزب الله" في خطابه على اعتبار أن الحملة الأميركية تستهدف الطائفة الشيعية بأسرها، أي أنها عقاب جماعي ضد مجموعة سكانية نتيجة تأييدها مقاومة الإحتلال الإسرائيلي.

الخطاب الأخير لنصر الله في مهرجان "نصر وكرامة"، يحمل المضامين ذاتها، بل حتى يجعل اسرائيل "عدواً" ثانوياً وغير مهم مقارنة بالولايات المتحدة. واشنطن هي العدو الرئيسي للبنانيين الشيعة، وما إسرائيل سوى أداة تنفيذية طيّعة في يدها. 

"الحرب التي شُنّت على لبنان كانت بهدف إقامة شرق أوسط جديد، كانت حرباً مكمّلة للغزو الأميركي لأفغانستان وللعراق، وتهدف إلى إقامة شرق أوسط جديد"، وفقاً لنصر الله. كان القرار أميركياً، والمشروع أميركيّاً، في حين أدى الاسرائيلي دور الأداة التنفيذية.

الغريب في الخطاب أن الأمين العام للتنظيم قدم سياقاً مختلفاً وجديداً للحرب، وذلك في إعادة تعريف "ثورية" أو "انقلابية" للدور الاسرائيلي فيها، والتركيز على مركزية واشنطن في اتخاذ القرار بالمواجهة، بما يجعلنا نكاد نُشفق على الإسرائيليين المشاركين فيها بصفتهم ضحايا: "أولمرت كان جديداً في رئاسة حكومة العدو، وزير الدفاع بيريتس كان جديداً، وزير الحرب، رئيس الأركان حالوتس كان جديداً، لا يوجد قيادة جديدة، تأتي بعد أشهر عدة وتشنّ حرباً بهذا الحجم، أنا أقول لكم، لا أُبرّئ ساحة إسرائيل، لكن كل المذكّرات التي كُتبت في ما بعد والوثائق والمستندات وما نٌقل من الكواليس السّياسية للحرب تؤكّد بأنّ الإسرائيلي كان سيكتفي بردّ الفعل في اليوم الأوّل لأسر الجنود الإسرائيليين عند الحدود، ولكن القرار الأميركي هو الذي أرسله وبسرعة وبدون جاهزيّة إلى هذه الحرب الذي كان يُحضّر لها لآخر الصّيف".

عند حديث نصر الله عن "حالة العمران الواسعة" في الجنوب، من البيوت إلى الفيلات الفارهة والمشاريع الاقتصادية والسياحية، يقول إنها نتيجة أموال "المغتربين الذين تشنّ أميركا وإسرائيل عليهم حرباً لا هوادةَ فيها في كل أنحاء العالم، لأنهم أحد مصادر قوّة هذا البلد". إذاً، تشن الولايات المتحدة حرباً على الشيعة في تموز عام 2006، بهدف تدميرهم وإعادة بناء الشرق الأوسط الجديد. ونحن جمهور المستمعين اعتدنا سابقاً على أن الشرق الأوسط الجديد هو مشروع الرئيس الاسرائيلي السابق شمعون بيريز، أي هو إسرائيلي المنشأ، وأن اللوبي الصهيوني في واشنطن يُحرك الإدارات الاميركية المتعاقبة من أجل تنفيذ هذه الأجندة اللعينة. لكننا اليوم أمام انقلاب في المفاهيم. اسرائيل أداة تنفيذية، بل حتى إنها مظلومة في ذلك، سيما أن الادارة الأميركية دفعتها إلى حرب لم تكن مستعدة لها.

والحقيقة أن وراء هذا التفسير الجديد للصراع، معطيات جديدة. هناك معادلات ردع واضحة مع إسرائيل، على ارتباط بساحات المواجهة وكيفيتها. لكن مع واشنطن، تبدو المواجهة مفتوحة، وأكثر عدائية، إذ تبدأ بالسياسة وتنتهي بإغلاق حسابات مالية لأعضاء التنظيم وأنصاره وعائلاتهم، وأيضاً تجفيف المنبع الإيراني بحرمان طهران من بيع النفط في الأسواق العالمية. والولايات المتحدة باتت عدواً محدداً للتنظيم، وبالإمكان رؤية حلفائها ورصد حركتهم، على عكس اسرائيل التي يضبط الردع حركتها.

المقلق هنا أن هذا الخطاب يتطور ويزداد حدة، ومن المفيد طرح أسئلة عن مآلات هذه المواجهة، والى متى ستبقى محصورة في السجال السياسي. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024