بايدن وتوتر النظام المصري

شادي لويس

الأربعاء 2020/11/04

"لا مزيد من الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل"، غرّد جون بايدن في "تويتر" في حزيران/يونيو الماضي. الإشارة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، جاءت في سياق تعليق جو بايدن على إطلاق سراح محمد عماشة (طالب مصري أميركي) بعد حوالى 500 يوم من اعتقاله في مصر بسبب احتجاجه في ميدان التحرير. وأضاف بايدن إلى تغريدته المزيد من أسماء المواطنين الأميركيين الذين تعرضوا لملاحقة النظام في مصر: "اعتقال وتعذيب ونفي النشطاء، مثل سارة حجازي ومحمد سلطان، أو تهديد عائلاتهم، أمر غير مقبول".

لم تتضمن الدعاية الانتخابية لبايدن أي إشارة أخرى للسياسة الأميركية تجاه مصر، إلا إنه أشار أكثر من مرة إلى أن حقوق الإنسان والديموقراطية ستكونان من دعائم السياسة الخارجية لإدارته. في الكونغرس الذي يسيطر عليه الحزب الديموقراطي، يظهر تحول ضد النظام المصري. فقبل أسبوعين، وقّع 55 نائباً ديموقراطياً، بالإضافة إلى النائب المستقل بيرني ساندرز، خطاباً يدين حملة الاعتقالات الأخيرة في مصر ويدعو النظام المصري إلى اطلاق سراح لائحة أسماء من النشطاء والصحافيين والمعارضين. وصرح حينها السيناتور، رو خانا، بأن الخطاب مجرد "خطوة أولى"، واعتبره "إنذاراً للنظام المصري لتغيير سلوكه"، وبعده "سيتم تقييم خيارات أخرى" تتعلق على الأرجح بالمعونة العسكرية لمصر.

لا يتخذ النظام المصري موقفاً معلناً من الانتخابات الأميركية الجارية، لكنه لا يخفي توتره. فماكينته الإعلامية داومت على ترويج نظرية مؤامرة تربط بين الحزب الديموقراطي الأميركي وحركة الإخوان المسلمين وثورة يناير. وتصاعدت تلك الحملة الدعائية في الأسابيع الأخيرة، مستعينة بإيميلات هيلاري كلينتون، لخلق العديد من النظريات التآمرية. لكن هل يعني هذا تغيراً مؤثراً في السياسات الأميركية تجاه مصر، في حال فوز بايدن بالانتخابات؟

ستواجه الإدارة الأميركية العتيدة، سلسلة تحديات داخلية كبرى واستثنائية: مستويات الإصابة الكارثية بفيروس كورونا، والتبعات الاقتصادية الفادحة للجائحة، بالإضافة إلى استقطاب سياسي حاد للمجتمع. أما على المستوى الخارجي، فصورة الولايات المتحدة، فقدت الكثير من مصداقيتها خلال الأعوام الماضية، خصوصاً بعد الأداء المخزي في مواجهة الجائحة. لذا، تبدو مسألة المواجهة المؤجلة مع الصين أكثر إلحاحاً، وكذلك مع روسيا، بالإضافة إلى محاولة رأب الصدوع داخل حلف الناتو، وترميم العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين. هكذا، فإن السجل الحقوقي للنظام المصري، بلا شك، لن يكون من أولويات الإدارة الأميركية.

العلاقة الخاصة بين البلدين فقدت بعض مبرراتها، فتعاظُم الدور الخليجي في المنطقة مع عملية التطبيع الواسعة مع إسرائيل، التي تقودها الإمارات، خَصَمَ من القيمة الاستراتيجية لمصر، لا سيما دورها في ضمان أمن إسرائيل. من ناحية أخرى، فإن السياسات الانعزالية التي بدأتها إدارة أوباما الديموقراطية، لا يبدو بايدن عازماً على تغييرها كثيراً، والجدير بالذكر أن أوباما بعد إطاحة الرئيس محمد مرسي، اكتفى بتعليق المعونة العسكرية لمصر، لفترة قصيرة، حتى تولى السيسي منصب الرئاسة.

بايدن نفسه، أثناء احتجاجات ثورة يناير، وبعدما أصبح جلياً أن النظام قتل المئات من المتظاهرين بالفعل، صرّح بأن مبارك "ليس ديكتاتوراً"، بل حليفاً مخلصاً ومسؤولاً للولايات المتحدة، خدم مصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة، ورفض أن يقارن الانتفاضة المصرية بالثورات الملونة في شرق أوروبا، كما رفض الدعوات الموجهة لمبارك للتخلي عن السلطة، واكتفى بالتعبير عن أمله في أن يستجيب لمطالب المتظاهرين.

هكذا، على الأرجح، لو فاز بايدن بالانتخابات، سيخضع السجل الحقوقي في مصر لبعض التدقيق من قبل الكونغرس، وربما يتم ربط المعونة العسكرية بذلك الملف، تعليقها أو تعليق نسبة منها. النظام المصري، من ناحيته، ما زال في حاجة إلى الدعم الأميركي، سواء في الملف الليبي أو سد النهضة، لكن أجهزته لديها خبرات طويلة في التعامل مع المطالبات الأمريكية من هذا النوع، بل وفي استغلالها لصالحه أيضاً... بعض من الشد والجذب، وكذا بعض الترضيات والإصلاحات الشكلية، من دون تغييرات جوهرية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024