لماذا يموت الجنود الأتراك في إدلب؟

عائشة كربات

الأربعاء 2020/02/12
لماذا يرسل بلد ما أبناءه إلى بلد آخر، مع العلم أنه سيحيط بهم عدو؟ أي نوع من الأهمية يمكن أن يجبر الحكام على اتخاذ قرار شجاع وصعب على الرغم من تزايد المعارضة في الداخل لمثل هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر؟
بالمختصر، لماذا يموت الجنود الأتراك في إدلب؟
كجزء من صفقة 2018 مع روسيا، أقامت تركيا 12 نقطة مراقبة في إدلب. ستة منها محاطة الآن بقوات موالية للأسد. كان الهدف من هذه النقاط في الأصل تهدئة توتر الوضع في إدلب. وعدت أنقرة أيضاً بفرز العناصر المتطرفة من المعتدلين وكذلك التأكد من فتح الطريقين المهمين "إم5" و"إم4".
عندما تحملت أنقرة مسؤولية هذه المهمة شبه المستحيلة، كانت تأمل في حل المشكلة من خلال وضع نهج إنساني ضد هجمات النظام السوري على المدنيين. ثانياً، تخشى أنقرة من تدفق جديد للاجئين، ثالثاً، كانت تهدف إلى تعزيز وجودها في الميدان من أجل الحصاد على طاولة المفاوضات.
روسيا التي تحتاج تركيا لزعزعة استقرار الجهة الجنوبية لحلف "ناتو"، لبيع الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وزيادة حجم تجارتها مع أنقرة من 26 مليار دولار إلى 100 مليار دولار، والتعاون في قضايا إشكالية أخرى في القوقاز والشرق الأوسط، قبلت مقاربة تركيا هذه، رغم أنها تفكر في قضية إدلب فقط في إطار مكافحة الإرهاب. لقد سئمت موسكو أيضاً من النفقات العسكرية المتزايدة التي تدعم الأسد وتفقد صبرها لرؤية نتائج ملموسة للعبتها الذكية حتى الآن في سوريا. ومع ذلك، بعد عامين، لم تكن أنقرة قادرة على الوفاء بوعودها بالتخلي عن التصعيد واستمرت دمشق في ابتلاع إدلب بسياسة القضم بينما نفد صبر موسكو.
لكن الوضع بالنسبة لأنقرة لم يتغير. احتمال تدفق اللاجئين موجود. والأهم من ذلك، تحسب تركيا أنه إذا لم تكن قادرة على الاستمرار في السير في جبهة الفرات الغربية، فلن تكون قادرة على الصمود في شرق الفرات، وهو الكابوس الحقيقي لتركيا. وفقاً للحكومة الحالية، فإن احتمال إضفاء أي شرعية على أي جيب كردي بأي شكل كان تحت حكم وحدات حماية الشعب الكردية، والذي هو مجرد امتداد لحزب العمال الكردستاني في تركيا، أمر غير وارد. لا يوجد أي مؤشر على أنه في المستقبل القريب قد تغير رأيها بشأن هذه المسألة.
لذا فإن أنقرة تحتفظ بقدميها في إدلب، على أمل أن تجر موسكو المتشككة بالفعل إلى طاولة المفاوضات لإقناعها بإنشاء منطقة آمنة في شمال مناطق إدلب وعفرين وجرابلس والباب التي تقع بالفعل تحت سيطرة الجماعات المدعومة من تركيا. أحد السيناريوهات هو أن أنقرة تهدف إلى استيعاب تدفق اللاجئين المحتمل في هذه المناطق، بمساعدة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وفي المقابل تقدم جدولاً زمنياً للانسحاب من إدلب.
والسؤال هو ما إذا كان الروس على استعداد لقبول مثل هذا السيناريو؟
بينما كانت تركيا تواصل إرسال تعزيزات إلى القوات الموالية للنظام في إدلب، كان هناك وفد روسي في أنقرة يمهد الطريق لاتفاق محتمل بين الزعيم الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان. لكن اللقاءات بين الوفدين لم تصل إلى أي نتيجة حتى مساء الاثنين عندما قتل المزيد من الجنود الأتراك في إدلب.
الأرجح أن موسكو تعتقد أن الدعوة التركية لدعم ال"ناتو" بعد مقتل جنودها لن يكون لها أي تأثير على تحالف شمال الأطلسي. واشنطن لن تتسرع في مقابلة القوة الروسية لصالح تركيا أيضاً. لكن إذا تصاعد الموقف، ويبدو الأمر ممكناً لأن كلًّا من النظام السوري وتركيا أظهروا صراحة استعدادهم لاتخاذ هذا الطريق، فإن أول من يخسر يمكن أن يكون النظام غير القوي. قد يفقد السيطرة على أجزاء أخرى من البلاد التي اكتسبها بصعوبة خاصة في حلب.
بالإضافة إلى ذلك، الحفاظ على الضوء الأخضر لهجوم النظام وبالتالي خلق المزيد من تدفق اللاجئين، قد يأتي بنتائج عكسية بالنسبة للدول الأوروبية التي تعد مساهماتها ضرورية لإدارة منطقة آمنة أولاً وإعادة إعمار البلاد لاحقاً. إضافة إلى ذلك، عندما يتم حل قضية إدلب بهذه الطريقة أو بتلك، فإن المسار السياسي قد يتسارع وهذا ما تريده موسكو.
علاوة على كل هذه الأمور، يريد الروس رؤية الأتراك والنظام حول طاولة واحدة. ومع ذلك، ينبغي أن نضع في اعتبارنا، واحدة من أهم فوائد مثل هذه المنطقة الأمنة على طول الحدود التركية، أنها ستكون بمثابة منطقة عازلة بين النظام وتركيا لأنه من الواضح أن هذين البلدين لا يرغبان في أن يكونا جيران مرة أخرى ولوقت طويل، على الأقل حتى يتغير  حكام أحد الجانبين.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024