المؤبد لمايكل فهمي: الهشاشة المضاعفة للقبطيات

شادي لويس

الأربعاء 2021/11/10

قضت محكمة جنايات شمال القاهرة، الإثنين، بالسجن المؤبد على مايكل فهمي، بعد إدانته بتهمة خطف وهتك عرض ست فتيات قاصرات. على الأرجح، يتجاوز عدد ضحايا فهمي العشرات. فبحسب تقارير صحافية، تقدمت عشرات الفتيات بالشكاوى ضده، وعلى مدى سنوات طويلة من دون جدوى. صمم فهمي شبكة شديدة الإحكام للإيقاع بضحاياه.

فبالإضافة إلى سلطة الطبيب التي يمتلكها، كان خادماً في أسقفية الشباب التابعة للكنيسة القبطية، وقائداً لكورال ترانيم، يجوب الكنائس لتقديم عروضه، وسمح له هذا بأن يكون متحدثاً في الاجتماعات الروحية، وحاضراً في شاشات القنوات الفضائية القبطية، ليعطي نصائح روحية وطبية ونفسية. كان هذا كله كفيلاً بمنح فهمي مساحات متقاطعة من السلطة، السلطة الروحية، وسلطة العلمي والتخصص المهني. وفي السوشال ميديا، كانت صور فهمي مع الأساقفة والكهنة كافية للإيحاء بأنه موضع ثقة، وللتأكيد على موقعه في تراتبية المنظومة الكنيسة، رغم أنه لم يتقلد موقعاً رسمياً في الكنيسة، سوى كونه شماساً.

تبدو القصة تقليدية، حتى هذه النقطة، إلا أن المصيدة كانت أكثر تعقيداً من هذا. فبعض الضحايا تواصلن مع فهمي بعد قراءتهن لكتابه "ثانوية عامة في يد المسيح". يباع الكتاب في مكتبات الكنائس، وبالطبع هذا مبرر أكثر من كافٍ للوثوق في نصه وفي كاتبه. احتوى الكتاب في نهايته على اختبار نفسي، وكان على القراء التواصل مع الكاتب عبر الهاتف لمعرفة نتيجة الاختبار. بهذه الطريقة، رسم الكتاب حدود الهدف: مراهقات، يتعرضن للضغط الشديد الذي يفرضه نظام الثانوية العامة المصري على الطلاب والطالبات، وفي الوقت ذاته تعاني الضحية النموذجية من مشاكل نفسية، على الأغلب المشاكل العادية المرتبطة بسن المراهقة وأعباء الدراسة. اصطحب فهمي ضحاياه إلى شقة خاصة، مدعياً أنها عيادته، وأوهمهن بأن حالتهن النفسية متدهورة، وبحاجتهن للعلاج بالحقن الشرجية، كبديل للعلاج بالصدمات الكهربائية. كان هذا تضليلاً، وترهيباً في الوقت ذاته.

التفاصيل الصادمة للقضية لا تكشف عن مجرد شخص منحرف، نجح في استغلال صفته وهشاشة ضحاياه لتنفيذ جرائمه، بل بالأحرى تشير إلى منظومة متكاملة جعلت من اعتداءاته أمراً ممكناً وعلى مدى سنوات. فموقع فهمي المركب، كطبيب وخادم روحي وكاتب وإختصاصي نفسي وشخصية تلفزيونية، بل كمدير فني أيضاً لكورال، لم يكن له أن يغدو متاحاً، لولا اشتمال الكنيسة بين جدرانها على تلك المؤسسات كلها، وتمدد وظائفها من الرعاية الروحية إلى العلاج والتعليم والإعلام والتثقيف والنشر والإرشاد النفسي والرعاية الاجتماعية.

تقدم الكنيسة خدمات طبية في مستوصفاتها ومشافيها ومجموعات تقوية للدراسة، وأنشطة ترفيهية وفنية ومؤسسات نشر وتلفزة وخدمات إعانة مالية للمعوزين، بالإضافة إلى ملاجئ ومدارس، بل وأنشطة إنتاجية واقتصادية خصوصاً في الأديرة. ولا يمكن لوم الكنيسة وحدها على إضطلاعها بكل تلك المهام، فجانب من تدخلها ليس سوى محاولة لسد العجز الذي خلفه انسحاب الدولة المضطرد من أدوارها الاجتماعية.

لكن ما يجب لوم الكنيسة عليه، هو تقصيرها في وضع القواعد اللازمة لحماية الأفراد الأكثر هشاشة بين رعيتها. فبحسب شهادات الضحايا، تقدمت عشرات منهن للشكوى ضد فهمي، بشكل فردي وأحياناً جماعي، وأسفرت تلك الشكاوى عن مقابلات مع قيادات كنسية، بل ووصل الأمر إلى لقاء مع البابا تواضروس نفسه، ولم يسفر هذا كله عن شيء. كانت الحملات في وسائل التواصل الاجتماعي الداعية إلى فضح الانتهاكات ضد النساء، هو ما حث ضحايا فهمي على مشاركة قصصهن على الملأ، وخارج نطاق الكنيسة، وشجع بعضهن لاحقاً لتقديم شكاوى رسمية ضده أمام النيابة العامة.

الحكم الثقيل -وإن كان من الممكن تخفيفه لاحقاً- حسم قضية فهمي، لكن ما لم يُحسم هو تلك الفجوات الهيكلية داخل بنية الكنيسة القبطية. فالكنيسة نأت بنفسها عن مسار التحقيقات في القضية، ولم تتحمل مسؤولياتها بالإعلان عن فتح تحقيق داخلي، ولا أصدرت اعتذاراً عن تقصيرها، على الأقل بخصوص تعاملها مع الشكاوى. لم تخرج بأي توصيات حتى لا يتكرر ما حدث. التزمت الكنيسة الصمت بالكامل، وكأن الأمر لا يعينها ولا يخصها... لتظل النساء القبطيات في موضع هشاشتهن المضاعفة، مرة كونهن منتسبات للأقلية في المجتمع الأوسع، ومرة كونهن نساء فيه وفي كنيستهم الشاملة والمغلقة على نفسها. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024