إيران ستُواجه في أفغانستان أيضاً

مهند الحاج علي

الإثنين 2019/07/22

لا تقتصر المواجهة الإيرانية - الأميركية (والآن البريطانية) على منطقة الخليج، و"حرب الناقلات" الدائرة فيها حالياً، ولا على التصعيد الإضافي والظرفي في الحرب اليمنية، وتحديداً القصف الحوثي بالصواريخ والطائرات المُسيّرة. هذه ساحة واحدة، رغم أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية.

تلوح في أفغانستان مواجهة أخرى، قد تحمل معها بوادر صدام أكثر دموية، بما أن العنف لم ينحسر حتى الآن نتيجة المفاوضات الجارية بين حركة "طالبان" والولايات المتحدة. في ظل هذا الواقع، تبدو واشنطن أكثر اهتماماً بشكل حكومة طالبان بعد الانسحاب، وليس بمشاركة النخب الحالية (المنقسمة على ذاتها) في ادارة البلاد. ولو وافقت الحركة على نبذ الارهاب وابعاد تنظيم "القاعدة" وأمثاله، قد لا يرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب مانعاً دون تسليمها البلاد وسحب قواته.

حتى اليوم، لم تنجح الولايات المتحدة في التأسيس لديموقراطية حقيقية في أفغانستان، بل ما زالت البلاد تئن تحت حكم ثُلة فاسدة تستغل الخلافات العرقية والدينية لمآرب سياسية. وفشلت واشنطن أيضاً في هزيمة "طالبان" التي ما زالت القوة الأبرز عسكرياً وأمنياً على الأرض. من هذا المنطلق، يجلس المفاوضون الأميركيون مع ممثلي حركة "طالبان" في الدوحة. وربما على هذا الأساس أيضاً يغيب ممثلو الحكومة الأفغانية التي يُفترض أنها تعكس ارادة الشارع وصناديق الاقتراع.

في مقابل الجهد الأميركي في التفاوض مع "طالبان"، تبرز قنوات التفاوض العلني بين إيران والحركة منذ عام 2015 على الأقل. عُقد آخر هذه اللقاءات في طهران بين وفد من "طالبان" وعباس عراقجي نائب وزير الخارجية الإيرانية في 30 كانون الأول (ديسمبر) عام 2018. بررت طهران حينها اللقاء بأنه يهدف للتمهيد لمفاوضات بين "طالبان" والحكومة الأفغانية، وبأنها تُحاول احتواء مخاطر استغلال المحادثات الجارية مع واشنطن. طبعاً هذه اللقاءات العلنية، لا الخفية أو السرية منها.

ولا تُخفي واشنطن قلقها حيال انعكاس توترها مع ايران، على الساحة الأفغانية. وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بعث باشارة مزدوجة إلى ايران خلال زيارته كابول نهاية الشهر الماضي، إذ أشار إلى أن "من مصلحة ايران ألا تُضعف عملية السلام، وأتمنى أن يروا ذلك". لكنه في الوقت ذاته تحدث عن "حدود طويلة لإيران مع غرب أفغانستان، وبالتالي من مصلحتها أن تتقدم عملية المصالحة، لكننا سنواصل اتخاذ الاجراءات الأمنية لو قررت إيران مواصلة عرقلة الاستقرار على الأرض".

ولإيران القدرة على هز الاستقرار في أفغانستان، لكن لذلك، كما في العراق، حدوداً وعواقب. ذلك أن النفوذ السياسي والأمني لإيران يرسو على قاعدة دقيقة، وبإمكان واشنطن وحلفائها استغلال أي ثغرة لتقويض نفوذ طهران تحت عناوين سياسية وطنية.

بعيداً عن الميليشيات والوكلاء على الأرض، يبقى الملف الأبرز الذي يُلوّح به المسؤولون الإيرانيون هو 3.5 مليون لاجئ أفغاني، سجلت السلطات الايرانية أقل من مليون منهم. بإمكان إيران نقل جزء كبير من هؤلاء اللاجئين إلى الجانب الأفغاني على الحدود، ومعهم آلاف من المقاتلين المدربين في "لواء فاطميون" في سوريا. أو ربما دفع جزء منهم الى أوروبا في حال وقوع حرب مباشرة، أو تصاعد التوتر مع بروكسيل.

الحال أن هذا الصراع في أولى حلقاته، وقد يكشف عن مدى الانتفاخ الايراني في أكثر من منطقة منذ عام 2001.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024