الكاظمي من المنقطع* الى الدائم

حسن فحص

الأحد 2020/08/02

يمكن القول ان رئيس الحكومة العراقية المؤقتة مصطفى الكاظمي استطاع رمي كرة احد اهم الشروط التي جاءت به الى هذا الموقع في ملعب المجلس النواب والسلطة القضائية، عندما أعلن عن قرار اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في السادس من الشهر السادس (يونيو/حزيران) من عام 2021، لينتقل بعدها الى ترتيب أوراقه الداخلية والخارجية استعدادا ليوم الاستحقاق الانتخابي. 

يبدو ان السيد الكاظمي اراد من وراء حسم موقفه من التعهد الذي قدمه في البرنامج الحكومي بان يرمي الكرة في ملعب القوى السياسية الاخرى، خصوصا الشيعية التي فوضته بتطبيق هذا البرنامج عند مناقشة الثقة بحكومته وحصل بنتيجتها على الثقة النيابية، خصوصا وان المفردات الضرورية لاجراء هذه الانتخابات باتت مرتبطة بآلية عمل البرلمان نفسه الذي بات عليه المصادقة على مشروع القانون الجديد وتعديلاته التي ستجرى الانتخابات بناء عليه ومن ثم تحويله الى رئيس الجمهورية للمصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية. 

واختيار الكاظمي لتاريخ حزيران يونيو من العام المقبل، اي بعد عشرة اشهر لاجراء الانتخابات المبكرة، قد يكون التاريخ الانسب له ولفريقه من بين التواريخ التي كانت مطروحة على طاولة النقاش، الامر الذي يسمح له بتذليل الكثير من العقبات التي قد تبرز امام تحقيق هذا المطلب وتنفيذ البند الاهم من برنامجه الوزاري الذي يؤسس لإحداث تغيير في طبيعة الطبقة السياسية وسيطرتها على الكتل البرلمانية التي تقيد حرية العمل التنفيذي امام اي رئيس وزراء للحكومة. 

ويراهن الكاظمي على توظيف الكثير من المعطيات والطموحات لتكريس نفسه والفريق الذي يمثله كقوة سياسية جديدة على الساحة العراقية، لعل أبرز هذه الطموحات هو قدرته على تنفيذ خطوات عملية وعملانية في ما يتعلق بالبنود الاخرى من برنامجه الوزاري، اي تحقيق انجازات على مستوى ضبط السلاح المتفلت ووضع آلية حصر السلاح بيد الدولة على سكة التنفيذ مستفيدا بالدرجة الاولى من الغطاء الذي حصل عليه من النظام الإيراني خلال زيارته لطهران، اضافة الى ترجمة جزء من وعوده المتعلقة بموضوع ازمة الكهرباء وتنشيط الوضع الاقتصادي الداخلي، في حين ان مسألة محاربة الفساد تبقى في حالة من الغموض والإبهام نتيجة لعوامل متداخلة وحسابات سياسية واقليمية ودولية تمنعه من المضي في المحاسبة وما يمكن ان يرافقه من ارتدادات سلبية على اداء حكومته ومستقبله السياسي الذي يرغب في تحويله من المؤقت والمنقطع الى دائم ورئيس لحكومة منتخبة غير انتقالية.

وبموازاة هذه الرهانات، فان رهانات اخرى فرعية لا تقل اهمية عن الاساسية تفرض على الكاظمي العمل لإنجاز بعض الخطوات المطلبية والسياسية والامنية، وأي خطوة حقيقية في هذا الاطار، ان حصلت، ستكون منسجمة مع الشعار الذي رفعه على مسار تعزيز هيبة الدولة وسيطرتها، وعلى حساب نفوذ وسيطرة الاحزاب المتحاصصة للسلطة وثروات العراق والتي لا ترغب كثيرا في هذه الانتخابات خوفا من التداعيات السلبية على قدرتها التمثيلية. وقد يكون هذا الهدف هو المطلوب من الكاظمي وفريقه، في ظل الحديث عن جهود ومساعٍ حثيثة يبذلها معسكر الكاظمي لبلورة تشكيل سياسي وحزبي تجتمع فيه القوى الليبرالية الداعمة له من جهة، والقوى الشبابية الفاعلة في ساحات الاعتراض والاعتصام من جهة اخرى، ليكون وريثاً لهذه القوى واداته في مواجهة الاحزاب القائمة والمهيمنة في الانتخابات المقبلة، وان يشكل هذا الحزب جسراً لعودته الى رئاسة الوزراء في حال استطاع تحقيق نتائج حاسمة في الانتخابات المرتقبة- اذا حصلت-  بحيث لا يكون مرتهنا لادارة ورأي القوى السياسية وكتلها البرلمانية المتحكمة بالمشهد السياسي. 

وفي ظل الازمة المالية التي يعاني منها العراق وشح الموارد التي اثرت سلبا على العديد من البرامج والوعود التي قدمها الكاظمي استجابة للجزء الاقتصادي والمعيشي الذي طالبت به ساحات الاعتصام والتحركات الشعبية، يبدو ان الحراك الاقتصادي والمالي والسياسي الذي يقوده الكاظمي والحكومة التي يرأسها، تهدف الى تعزيز موارد الدولة وتوفير الكلفة المالية التي تتطلبها العملية الانتخابية، وذلك من خلال الإصرار على فرض سيطرة الحكومة على المنافذ الحدودية وما يعنيه ذلك من فرصة لتعظيم هذه الموارد وزيادتها بما يسمح باستخدامها لتأمين جزء من هذه الكلفة المالية، اضافة الى قرار تمديد عقود شركات الاتصالات وما رافقه من اعتراضات رسمية واقتصادية لأنه تساهل في محاسبة هذه الشركات على السنوات الماضية لتحصيل عائدات الدولة من أرباح هذه الشركات. في وقت يدور فيه حديث عن امكانية ان تذهب هذه الحكومة لرفع مستوى انتاجها من النفط بما يتجاوز حصتها في منظمة اوبك، من اجل تأمين "الملاءة المالية" التي تساعد الحكومة على الوفاء بجزء من تعهداتها بما يمكنها من توظيف اي منجز على هذا الصعيد في اطار رفد الحملة الانتخابية التي من المفترض ان تكرس الكاظمي زعيما لاكبر كتلة برلمانية بوجه الاحزاب والقوى السياسية الاخرى من مختلف المكونات وتسمح له بتركيب تحالفات بناء على شروطه الخاصة ومن دون ان يكون للطرف الاخر القدرة على فرض اي شروط مقابلة سوى القبول بما يقدمه لهم. 

هذه التحركات والخطوات التي يقوم بها الكاظمي وفريقه لست بعيدة عن انظار وعيون القوى الاخرى المتخوفة والمتحفزة في آن معا، لذلك لن تتردد هذه القوى بالانقضاض على الكاظمي ومحاصرته دفاعا عن مصالحها وحصصها في العملية السياسية والادارية، ما قد يطيح بهذه الانتخابات المبكرة وما يعنيه ذلك من استمرار للوضع القائم وما فيه من شد وجذب بانتظار الموعد الرسمي للانتخابات الطبيعية عام 2022. 

*ملاحظة: المؤقت في المصطلح الفقهي والشرعي لدى الفقهاء الشيعة يستخدم تعبيرا عن الزواج المنقطع، اي زواج المتعة، ويمكن للعاقد ان يحول هذا الزواج المؤقت او المنقطع الى زواج دائم بان يهب المعقود عليها المدة المتبقية من وقت العقد ويقوم بعقد زواج دائم عليها، او انه ينسى تاريخ انتهاء العقد اذا كان طويل الامد وبالتالي يتحول الزواج الى دائم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024