بسام مقداد
بدت مواقع الكرملين الإعلامية ملتزمة التهدئة ، وتكرر ما أعلنته وزارة المالية ، بأن روسيا لديها ما يكفي من مدخرات في صندوق الرفاه القومي (500 مليار دولار) لمواجهة أسعار النفط عند 20ـــــــــ 30$ للبرميل ، ما بين 6 و10 سنوات ، حسب صحيفة الكرملين "VZ" .
لكن صحيفة القوميين الروس "SP" المعارضة بشدة لسياسة الكرملين الإقتصادية الإجتماعية ، كانت شديدة القسوة في ردها على مقولات إعلام الكرملين ، واتهمت بوتين بنشر الأضاليل حول حقيقة وضع روسيا في الأزمة الراهنة ، ووصفت وزير الطاقة ألكسندر نوفاك وقيصر النفط الروسي إيغور ساتشين وبطانته بالمافيا ، وقالت بأن سعر صرف الروبل لن يتوقف عند مستوى 75 روبلاً للدولار الواحد ، بل سيبلغ 90 روبلاً . وتنقل الصحيفة عن "مركز ليفادا" الشهير ، والمعترف عالمياً بمصداقيته في استطلاعات الرأي، ان 39% من الروس يعتبرون ، أن حكام روسيا هم أشخاص ليسوا معنيين سوى بامتيازاتهم ومداخيلهم ، وأن عدد الروس ، الذين يهتمون بالسياسة ، قد انخفض في الفترة الأخيرة ، مما يعني أن مزاج الإنتقاد الشديد للسلطة قد عاد إلى ما كان عليه منذ سبع سنوات .
وتقول الصحيفة بأن المصرف المركزي عمد فور انخفاض سعر الروبل إلى التدخل في سوق القطع ، لكن عدداً من المحللين الماليين يرى أن المركزي يمكن أن يدعم الروبل لمدة شهر أو شهرين فقط ( حتى موعد التصويت الشعبي على التعديلات الدستورية في 22 الشهر القادم) باستخدام موجودات صندوق الرفاه القومي ، ويتوقف بعد ذلك ، و"إلا لن يتبقى شيئ من موجودات الصندوق" .
كما تنقل الصحيفة عن المدير السابق لإدارة الإحصاء الفدرالية البروفسور فاسيلي سيمتشرا إتهامه بوتين بالتضليل كما في العام 2008 ، حين نفى وجود خطر إفلاس روسيا ، وقال بأن الأمر قد يتكرر في الأزمة الراهنة ، حيث تدعو السلطة إلى الهدوء ، وتقول بأن الوضع تحت السيطرة . ويقول بأن لدى روسيا القليل من الدولارات ، التي يمكن التصرف بها ، ويتهم المسؤولين الروس عن قطاع النفط بالغباء ، لأنه ينبغي عليهم أن يشتروا النفط الرخيص في هذه الأزمة ، لا أن ينتجوه ، لأن النفط الروسي مرتفع الثمن ، على عكس ما يدعون، ويتهم "مافيا النفط الروسية" بعدم اعتماد هذه السياسة ، لأنها تتوخى مصلحتها الذاتية وليس مصلحة روسيا. ويتهم المسؤولين الروس بإفشال إجتماع أوبك ، لأن تخفيض الإنتاج ، كان سيخفض عائداتهم الذاتية ، "التي اعتاد عليها إيغور ساتشن"، وليس عائدات روسيا.
وحول مستقل الروبل والإحتياطي الروسي في ظل هذه الأزمة ، يقول الرجل ، بأنه ثمة حتى الآن ما يكفي من تبجحات السلطات المالية الروسية ، بالإدعاء بأن هناك ما يكفي من الإمكانيات لدى روسيا لمدة 6 – 10 سنوات ، لكن هذه الإمكانيات قليلة ، وهي ليست مخصصة فقط لمواجهة بؤرة أزمات النفط ، بل ثمة في روسيا "عشرات ، بل مئات بؤر الأزمات ، غير النفط" ، برأيه.
في سياق "تسونامي" هبوط سعار النفط ، وبعد يوم واحد من انهيار إجتماع اوبك في 6 الشهر الجاري ، خرجت "نوفوستي" بمقالة لم تتناول فيها الأزمة الطارئة مباشرة ، بل تناولت النفط والغاز اللبناني الموعود ، ودور روسيا فيه . واتسم عنوان المقالة بتبجحٍ فظ : "روسيا تحصل على أحشاء البحر المتوسط" ، وقالت بأن الرئيسين الروسي والتركي ناقشا في لقائهما في موسكو تأزم الوضع في إدلب ، لكن إلى جانب الإهتمام بأخبار المعارك ، ثمة حقل آخر تدور فيه أحداث لا تقل أهمية عن المعارك ، و ستترك آثارها على تطور المنطقة بعد صمت المدافع ، هو قطاع النفط والغاز.
تعود المقالة ، التي أعاد نشرها على الفور موقع "راديو سبوتنيك" للدلالة على الأهمية ، التي توليها "نوفوستي" لها، تعود إلى المناقصة ، التي أعلنت عنها الحكومة اللبنانية في خريف العام 2017 ، ورست أعمال التنقيب الإستكشافي (مدته 5 سنوات) على الشركات الثلاث الفرنسية والإيطالية والروسية ( بنسب 40 + 40 + 20 ) . بعد اختتام أعمال التنقيب ، تسلم الشركات للحكومة اللبنانية خطة جاهزة للإستثمار ، وتحصل هي على حق الإستخراج لمدة 25 سنة مع إمكانية التمديد .
في سياق سرد الوقائع هذه ، فجأة تلاحظ مقالة نوفوستي ، أن الشركة الروسية ستستمر مدة ربع قرن في جني الأرباح ، التي ستدفع منها الضرائب للموازنة الروسية ، و..."سوف تشكل سياسة المنطقة " ، دون أن توضح بأية وسائل، ولماذا ستنفرد هي ، دون الشركتين الفرنسية والإيطالية ، بتشكيل سياسة المنطقة !
وتطرقت المقالة للخلاف اللبناني الإسرائيلي على حدود المنطقة الإقتصادية البحرية ، وتقول بأن بيروت لا تقدم على التصعيد ، وتكتفي بالتنقيب في المناطق التي لا خلاف عليها . لكن لبنان تعمد في ربيع العام 2019 "نسف" تمديد خط الغاز EastMed لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا ، دون أن تذكر كيف "نسف" لبنان تمديد هذا الخط . لكنها تستطرد وتقول "أنهم أفهموا إسرائيل" عمليا" ( من هم هؤلاء) ، ، بأنها لن تتمكن من التبادل التجاري مع أوروبا . وتل ابيب لم تنسَ ، بالطبع ، لا هذه الواقعة ، ولا مصالحها ، ولذا ترى بأن " الحرب من أجل الجرف تعد بأن تكون طويلة وقاسية ". وفي بيروت يدركون ذلك بوضوح ، ويضعون كل آمالهم على الفريق الدولي لإهدائهم النفط والغاز .
وتذكًر المقالة بإتفاقية الدولة اللبنانية مع شركة "روسنفط" الروسية لتوسيع خزانات النفط في طرابلس ومدتها عشرون عاماً ، وتقول بأن لبنان يأمل كثيراً ، بأن يتيح الوجود الروسي العسكري التقني في المنطقة إمكانية إحياء خط أنابيب النفط من العراق .
إذا ما ظهرت لدى لبنان فجأة بعض الكميات من النفط ، وإذا لم تتسع طاقات طرابلس لاستيعابها ، يمكن توجيهها إلى مرفأ طرطوس "القريب جداً" من طرابلس ، وحيث "بمحض الصدفة" يوجد هناك مقر الوحدة العسكرية الروسية . وترى أنه ، إذا ما قرر لبنان مد خط أنابيب للنفط بين المرفأين ، سيتحول لبنان إلى "متحكم بالظروف" ، أما إذا لم يقرر مد هذا الخط ، تبقى طرطوس، بالحد الأدنى، ضمانة بأن لا تبرز عند أي رأسٍ حامٍ رغبة في التطاول على ملكية لبنان و"روسنفط" و"نوفاتك" الروسيتين ، برأي نوفوستي. ويراهن لبنان على النفط والغاز وتصديرهما ، لتحسين صورته ، وانتشال إقتصاده المتردي .
وتختتم نوفوستي مقالتها بالقول :"إجمالاً ، المنطقة تأمل بمعجزة ...ووراء الكواليس تُسمع من جديد اللغة الروسية". أجل ، تلك هي روسيا "الضمانة والحماية" ، ليس لسوريا وثرواتها فقط ، بل ولنفط لبنان أيضاً.