الكرملين وصراع الأسد-مخلوف

بسام مقداد

الخميس 2020/05/07
تتعدد الفرضيات حول خلاف الأسد- مخلوف وتتناقض في ما بينها ، وتثير من التساؤلات أكثر مما تقدم من الأجوبة . فهل الخلاف حقيقي أم مصطنع بهدف تعويم الأسد وتبييض صفحته ، بعد ما لحقها في الفترة الأخيرة من تشوهات، بسبب فضائح الفساد والعجز عن إدارة السلطة ، التي تبرع بكشفها إعلام "طباخ بوتين"، ونأي إعلام الكرملين بنفسه عنها. ولا يثير أقل من تلك التساؤلات موقف الكرملين من هذا الصراع ، وما إن كان يقف وراءه ، أو أنه يجري في حضنه ، ويعاينه متفرجاً ، ينتظر خواتيمه متحيناً  فرص القطاف. 

جميع هذه التساؤلات وسواها الكثير، خاصة في ما يتعلق بالكرملين ، من الصعب الإجابة عليها ، في ظل صمت الكرملين المطبق بشأنها ، وابتعاد إعلامه ومسؤوليه كلياً عن التطرق إلى هذا الصراع ، من قريب أو بعيد. ولم يخرق هذا الصمت ، حتى الآن على الأقل، سوى صحيفة القوميين الروس "SP" المعارضة لسياساته الداخلية ، والمنتقدة "غزله" الموسمي بالغرب ، وصحيفة "NG" ، التي تدعي إستقلالية مزيفة ترتسم في خلفيتها بوضوح أبراج الكرملين .

الصحيفة الأولى "SP" كتبت في 3 الشهر الجاري مقالة بعنوان "سلطة الأسد يقوضها الشجار مع الأخ الملياردير (أبناء العم والخال هم إخوة في ما بينهم ، وفق العرف السلافي) بسبب روسيا ، مع عنوان إضافي "مواجهات أكثر عائلات دمشق نفوذاً لن تنتهي على خير". وبعد أن يرسم كاتب المقالة لوحة شديدة القتامة لوضع الأسد المفلس والممنوع من الحرب من قبل روسيا وأميركا من أجل استرداد النفط من الأكراد ، تبرز للأسد على خلفية هذه اللوحة مشاكل سياسية جدية مع إبن خاله الملياردير رامي مخلوف. ومخلوف هو الأكثر غنى ونفوذاً في سوريا، حتى يقال بأن الأسد سن الكثير من القوانين لتلائم مصالح مخلوف بالذات ، حسب الكاتب. وبعد أن يسترسل في وصف ثروات مخلوف ومفاخرته، هو وأسرته، بهذا الغنى في سوريا الجوعى والمدمرة، يقول الكاتب ، بأنه مع كل هذه الثروات تبين أن مخلوف مدين لخزينة الدولة بمئات ملايين الدولارات كضرائب ، يقال بأنه لم يدفع شيئاً منها طيلة سنوات الحرب الأهلية . 

إقتراح مخلوف عبر شريط الفيديو الأول ، بأن يضع الأسد إطاراً ما ليدفع مخلوف مستحقات الخزينة ، دون إلحاق الضرر بمصالح شركة سيرياتل، اعتبره الأسد تهديداً بوقف أعمال شركة الخليوي ، مما يطال كل سوري تقريباً . وثمة اعتقاد ، حسب الكاتب ، بأن لدى مخلوف خطة للدفع للأسد شخصياً ، بغية تفادي مشاركة المؤسسات الرسمية في الأمر. وليس مفهوماً لماذا ، ولأي سبب يخشى الملياردير مشاركة زوجة الرئيس أسماء الأسد في هذه الأمور ، ويقال بأنهما على عداء منذ زمن بعيد. 

ما كان ليبدو من أمر مستهجن في كل هذه القصة ، مجرد شجار بين نخب محلية ، لو لم تعمد أجهزة الإعلام إلى حشر إسم روسيا في القصة، حسب الكاتب. فهذه الأجهزة تزعم، بأن الضغط على مخلوف وعلى سواه من كبار رجال الأعمال ، مرتبط بمسعى الأسد لجمع أكبر كمية ممكنة من الأموال ، من أجل تسديد الدين الكبير لروسيا . من الصعب الجزم بصحة هذه المزاعم أو خطئها ، لكن الدين الروسي المقصود بالكلام ، يتخطى مبلغ 3 مليارات دولار ، وفجأة قررت دمشق جمع هذا المبلغ على وجه السرعة ودفعه لموسكو.

يقول الكاتب بأن خطورة القصة تكمن في إمكانية زعزعة الوضع القائم حالياً في سوريا. مخلوف المشتبه به بقضايا كثيرة ، كان خلال سنوات طويلة ، مؤيداً وفياً لابن عمته الأسد ، وكان يرصد الأموال حيث ينبغي ، وشارك في جميع المشروعات التي كان يُلزم بها ، أي أنه كان يقوم بكل ما يحتاجه الأسد للإحتفاظ بالسلطة . ومن الطبيعي أنه ، خلال هذه السنوات الطويلة ، حشد حوله فريقاً من المخلصين له في سائر أجهزة السلطة ، وفجأة بدأ الجميع يعلنون طقوس التوبة . لو كان كل ذلك يجري في زمن الإستقرار ، ولو كان في السلطة الراحل حافظ الأسد ، لكانت العواقب في أدنى حد لها ، لكن في سوريا المعاصرة ، ليس سوى الغضب ، حسب الكاتب .

من جهتها، صحيفة "NG" نشرت في 2 من الشهر الجاري مقالة بعنوان "حرب النخب السورية تدور تحت أنف روسيا"، أرفقته بعنوان ثانوي "ما المقصود بشريط فيديو إبن خال الأسد" . بعد أن يسرد الوقائع المتداولة حول هذا الصراع وأسبابه المحتملة، يقول كاتب المقالة، محلل الصحيفة الدائم لشؤون الشرق الأوسط ، بأن الشائعات حول العقوبات ضد رجل الأعمال الشهير ، سيئ السمعة رامي مخلوف  ، بدأت تنتشر منذ السنة الماضية . ووفقاً للشائعات الأكثر تداولاً في الصحافة العربية ، يكمن سبب العقوبات القاسية إلى هذا الحد بحق مخلوف ، في الدين الكبير لدمشق الرسمية (من دون أن يذكر الجهة الدائنة ، وما إذا كانت موسكو أو سواها)، التي لا تستطيع توفير الإستقرار المالي بالطرق التقليدية ، ولهذا تجد نفسها مضطرة لجمع الأموال من رجال الأعمال الأكثر غنى. وما جرى ضد مخلوف، هو خلاف المصالح بينه وبين السيدة الأولى أسماء الأسد ، التي تطمع للعب دورها الخاص وسط النخبة السورية . وينقل الكاتب عن جريدة "المدن" تصريحاً للخبير في الشؤون الإقتصادية السورية يونس الكريم قال فيه ، بأن "أياً من الطرفين(أسماء ومخلوف) لن يقدم على التنازل . ومن الملاحظ الآن وجود تباعد كلي بين الطرفين ، وانتصار طرف على آخر يتوقف على العلاقات الدولية وبين الحلفاء المحليين ، مما يساعد روسيا على التوغل أكثر في الإقتصاد السوري" . 

ويختتم الكاتب مقالته القصيرة بمحاولة الإجابة عن موقف الكرملين من هذا الصراع المتفجر، فيرى أن الجانب الروسي، ووفقاً لما تشير إليه الأمور، لا يميل للمشاركة العلنية في صراع النخب هذا . 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024