شرق المتوسط: خسائر مصرية

شادي لويس

الثلاثاء 2019/12/10
تتفاقم الأزمة التي فجرها الاتفاق التركي الليبي على ترسيم الحدود البحرية. فبعد إعلان دول الجوار في حوض المتوسط مع فرنسا والاتحاد الأوروبي، رفضهم للاتفاق أو توجسهم منه على الأقل، طردت اليونان السفير الليبي الذي يمثل حكومة الوفاق المعترف بها دولياً. وأعلن الجانب الليبي أنه كان سيردّ بالمثل، حسب القواعد الدبلوماسية، لولا أن اليونان ليس لديها تمثيل على مستوى السفراء في طرابلس. وفي السياق ذاته، سارعت تركيا إلى إغلاق منطقة بحرية موازية لجزر يونانية، وأعلنت التوسع في أعمال التنقيب في البحر المتوسط. 

ولا يبدو، حتى الآن، أن الخطوة التركية تهدف إلى أبعد من إجبار جيرانها على التفاوض وإشراكها في التفاهمات الإقليمية بخصوص عمليات التنقيب البحرية وحدودها. فالاتفاقية، في الأغلب، جاءت كردّ فعل متأخر على الإعلان عن "منتدى غاز شرق المتوسط" في القاهرة، مطلع العام، والذي يضم وزراء النفط والطاقة في سبع دول، هي مصر وإسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية واليونان وقبرص وإيطاليا. وجاء استثناء تركيا ومعها ليبيا من إطار التنسيق بشأن أنشطة التنقيب، استكمالاً للتحركات السابقة لترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان وقبرص، وكذا إطار التعاون الأردني والمصري مع إسرائيل بخصوص منظومة استخراج الغاز وتصديره، والتي استثنت جميعها تركيا وليبيا من حساباتها.

وفي مقابل العزلة التركية، فإن حكومة الوفاق الليبية تجد نفسها في عزلة أكثر تهديداً، في ظل الدعم المصري الخليجي والفرنسي لحكومة بنغازي، والعملية العسكرية طويلة الأمد التي يشنها اللواء حفتر للسيطرة على طرابلس. وفي ظل غياب جهود دولية جادّة لحل الأزمة الليبية عبر المفاوضات، وتصميم القوى الداعمة لحفتر على حسم الأمور عسكرياً، فإن حكومة السراج وجدت نفسها مضطرة للاعتماد بشكل كامل على الدعم التركي. وذهبت تقارير متداولة إلى أن المساعدة العسكرية التركية تحديداً، هي ما حال دون سقوط طرابلس أمام القوات الزاحفة من الشرق.

على الأرض يبدو أن الأتراك ضمنوا موطئ قَدَم في ليبيا، وكذلك ضمنوا حليفاً في حالة تبعية شبه كاملة في جنوب المتوسط، وبدرجة ما فرضوا أمراً واقعاً جديداً، يستطيعون من خلاله أن يصبحوا طرفاً رئيسياً في ما يخص مسألة الهجرة غير الشرعية من شمال إفريقيا. فيما يبدو الانسحاب الإماراتي الواسع من أماكن الصراع، التي تورطت فيها بشكل مباشر، مع التحول المفاجئ في سياساتها في كل من سوريا واليمن وبخصوص حصار قطر، علامة منذرة بأن العبء الأكبر لدعم حفتر ربما سيقع على مصر في المدى القريب. ولا يبدو واضحاً إن كانت القاهرة مستعدة، أو قادرة على خوض تلك المعركة غير المبررة، واستنزاف مواردها فيها، أم لا، ولا لأي غرض؟

تحصد الدبلوماسية المصرية نتاج استراتيجيتها قصيرة النظر في ليبيا. فبدلاً من لعب دور الوسيط المؤتمن والمحايد والجار العاقل والموثوق به، الذي طالما لعبته مع دور الجوار، في غزة وبين الأفرقاء الفلسطينيين، وبينهم وبين إسرائيل، أو إثناء الحرب الأهلية في السودان بين الشمال والجنوب، فإنها ألقت بكل ثقلها وراء أحد أطراف الصراع في ليبيا وفي مواجهة الطرف المعترف به دولياً. قبل شهور، اتضح أيضاً فقدان القاهرة لأي مصداقية في السودان، لأسباب مشابهة، وذلك أثناء جولات التفاوض في الخرطوم والتي أفضت إلى تشكيل الحكومة الانتقالية لجارها الجنوبي والأقرب لها تاريخياً، برعاية غربية-خليجية، ومن دون أي تأثير لها، ولو بشكل صُوريّ.

في الأغلب، ستنتهي أزمة الاتفاق التركي الليبي بترضيات أوروبية تضمن لتركيا مصالحها بخصوص حصتها في ثروة الغاز البحرية والترتيبات الإقليمية في حوض المتوسط. لكن ما يشي به سير الأمور، حتى الآن، هو تعثر الدبلوماسية المصرية في ليبيا، كما في السودان، وفي مسألة سد النهضة، وكذا فشل الدول العربية في احتواء الصراع الليبي في ما بينها. فبدلاً من استخدام نفوذها للتوفيق بين أطرافه، والاستثمار في الحل السلمي طويل الأمد، انخرطت في تأجيج الصراع بينها. وكما ينتهي الأمر عادةً، يحصد طرف خارجي نتاج كل هذا التخبط وضيق الأفق. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024