مسرح ماكرون..بين مئويتين

ساطع نور الدين

الخميس 2020/09/03
لأنها المسرحية الوحيدة التي تعرض هذه الايام على خشبة المسرح اللبناني، هي تشهد إقبالاً منقطع النظير، يترافق مع جدالات واسعة حول سبب إختيار فرنسا ذلك النص السوريالي، الذي يتحدى الواقع، ولا يتلاءم مع الوعي اللبناني.  

الفرق هائل بين الاعتقاد السائد لدى قسم من الجمهور اللبناني  بأن مخرج تلك المسرحية المثيرة، الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، يسهم فعلاً في إعادة تأسيس لبنان في مستهل مئويته الثانية، وبين الاقتناع الراسخ لدى بقية ذلك الجمهور بأن ماكرون الذي يبدو شديد الإلحاح على حصد النتائج والجوائز والاضواء، إنما يسد فراغاً مؤقتاً، لن يتجاوز بضعة أشهر، يعود بعدها الى مشاغله الفرنسية، والاوروبية، وتعود بعدها الشؤون اللبنانية الى قواعدها الاولى.

حتى الآن العرض، عدا عن كونه الوحيد المتاح، يتمتع بجميع عناصر الاثارة والتشويق. ثمة قفزة كبرى في الخطاب الفرنسي نفسه، الذي سبق أن أبلغ اللبنانيين أن باريس لا تقبل أن تكون ممراً الى واشنطن، ولا مقراً للعائدين من العاصمة الاميركية. وثمة تعديل جوهري في السياسة الفرنسية التي كانت حتى الأمس القريب تتعامل مع لبنان بإعتباره إرثاً فاسداً، لا يصلح لأي إستثمار، ولا ينفع معه أي إصلاح.

جاء ماكرون الى لبنان، وهو يكاد يصبح مقيماً فيه، بعدما عزّ الاشقاء والحلفاء والاصدقاء، وبعدما بلغ البلد حافة الهاوية في اعقاب انفجار المرفأ. وقف على الركام اللبناني، ليعلن ان لديه خطة لاعادة بناء الدولة اللبنانية، تتضمن بعض البديهيات والمسلمات العامة، من دون أن يكون لديه قوة ضغط، غير القوة المعنوية، ومن دون ان يكون لديه حليف موثوق، غير جزء من الجمهور اللبناني اليائس من حكامه الفاسدين ومن مؤسساته المفرغة.

المهل التي حددها ماكرون منذ أن إختار مجهولاً من خارج السرب السياسي لرئاسة الحكومة، متعجلة جداً. هي توحي من جهة بالجدية  والرغبة في وضع لبنان على سكة الانقاذ، لكنها تخفي في المقابل، شعوراً بأن الوقت المتاح ضيقٌ جداً.. قبل ان تستخدم قوى النظام اللبناني الصلب، أسلحتها لعرقلة المشروع الفرنسي، وقبل ان تتحرك القوى الاقليمية والدولية المناهضة أو على الاقل المنافسة لذلك المشروع.

لا يحتاج ماكرون الى أدلة على ان النظام اللبناني الذي يهزه اليوم بقوة، هو واحد من أقوى الانظمة العربية والعالمثالثية وأكثرها رسوخاً.. ليس فقط بإئتلاف أمرائه ورموزه المحليين، بل أيضا بتواطؤ دول عديدة، لم تقل كلمتها الاخيرة في المخطط الفرنسي المبني على فكرة جديدة مفادها ان لبنان يمكن ان يستقر ويزدهر بمعزل عن اضطراب محيطه.
 

الهامش اللبناني الذي يتيحه الاميركيون اليوم محدود في الوقت الفاصل بين إدارتين، لن تختلف مقاربتهما لمسألة حزب الله ونزع سلاحه، بإعتباره شرطاً مسبقاً لأي إصلاح أو تغيير، لكن سياستهما الايرانية والخليجية يمكن ان تكون على طرفي نقيض.. ما يمثل تحدياً لطموح فرنسا في أن يتم التعامل مع لبنان كجزيرة معزولة عن ذلك الصراع الاميركي الايراني الخليجي.
 

من المستبعد ان يواجه ماكرون شغباً سورياً  على تجربته اللبنانية الحالية، لا سيما بعد أن خرق العام الماضي مبدأ غربياً ثابتاً على سياسة نبذ الرئيس بشار الاسد، عندما وصفه بأنه لا يمثل مشكلة بالنسبة الى فرنسا بل هو مشكلة الشعب السوري..لكن لبننة حزب الله التي ينشدها الرئيس الفرنسي، كانت ولا تزال تحتاج الى معجزة إلهية، لا تعجل حصولها النوايا الفرنسية الحسنة تجاه دمشق وطهران!

العرض المسرحي الفرنسي يتسارع يوماً بعد يوم. وكذا الخلاف بين اللبنانيين حول ما كان ذلك العرض سيستمر مئة يوم أو مئة عام. المهم ان تعالج بسرعة حسابات وأرصدة وأسهم الدولة – الشركة اللبنانية المفلسة، وبعدها لكل حادث حديث في السياسة التي لن تكون من شأن ماكرون وحده، مهما طالت إقامته في لبنان..

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024