حكومة الدموع في لبنان

بسام مقداد

الثلاثاء 2021/09/14

وأخيراً تشكلت الحكومة في لبنان، وتلقى اللبنانيون نبأ تشكيلها والدموع في عيني رئيسها وهو يخبر اللبنانيين عن مآسي يومياتهم. واحتار اللبنانيون في تفسير الدموع، هل ما جعلها تترقق في العيون هي المآسي التي أوجزها رئيسها حين تكليفه بأنها حرمته من زيارة المطعم، أم هي دموع فرح الفوز بالتشكيل، بعد فشل سابقيه على مدى 13 شهراً من الفراغ الذي أعقب تفجير عاصمتهم.

رئيس الجمهورية، "الخرافة التي تتربع في قصر جمهوري" على قول حازم صاغية، ساعد اللبنانيين، وعلى غير عادته، في فهم هذه الدموع بتأكيده أن الحكومة هي أفضل ما تمكن منه مشكلوها من أصهرة وأنسباء وذوي القربى وسط هذا "الدمار العظيم". لا شك في أن هذا أفضل ما تمكن منه هذا النوع من الحكام، حكام "جهنم"، الذين خجل العالم من وجود أمثالهم على رأس بلد في القرن الحادي والعشرين، ولم يوفر إهانة لم يقذفها بوجوههم. 

إنفجار دمر نصف بيروت، عملة فقدت قيمتها وتركت الأجور إسماً دون محتوى، حشود شباب تنتظر جواز السفر أمام مراكز الأمن العام، أمهات لا يستطعن إطعام وليد وإرسال طفل إلى مدرسة، احتياطي نقد أجنبي لم يعد يسمح بتغطية أي دعم، ناتج وطني تراجع من 55 مليار إلى 20 مليار دولار على قول خبراء، وتخرجون إلى اللبنانيين بعد 13 شهراً بالدموع في العيون وبهذا أفضل ما تمكناه؟ عن أية صدمة إيجابية تتحدثون، والدولار أوجزها خلال اليومين اللذين أعقبا "إنجازكم" الحكومي الذي لن يعمل اكثر من بضعة أشهر قبل أن يغرق في إنتخابات أيار، إن لم تؤجلوها؟ إن صدقناكم، وأدمعت عيوننا وصفقنا ل"أفضل ما تمكناه"، سوف تنطبق علينا كلمات أغنية زياد الرحباني "بها اليومين" التي يتداولها اللبنانيون بكثافة هذه الأيام، وتصف اللبناني كيف يجد تبريراً سخيفاً لإنقطاع المياه والخبز والحليب والبنزين و... النفس،  فيرد عليه زياد "ولشو أهبل".

عدا المصفقون لكم الذين سيعيدون إنتخابكم في الربيع القادم، سيكون "اهبل" اللبناني الذي سيصدق أنكم ستتمكنون "بها الشهرين" أكثر من تشكيل حكومة على شاكلتكم، ومن "التكنوقراط" الذين خرجوا من بيوتكم ومدرستكم في الإنبطاح أمام سفاح وعناد جهالة أذهلت العالم قبل اللبنانيين. 

دموع ميقاتي ذكّرت اللبنانيين بدموع فؤاد السنيورة في إجتماع وزراء الخارجية العرب في بيروت خلال حرب 2006، والتي حملت إلى لبنان نصر "لو كنت أعلم"، أو نصر ملك إحدى الممالك اليونانية القديمة "Pyrrhus" على الرومان، وأطلق من بعده تعبيره الشهير عبر القرون " إذا أحرزنا نصراً آخر كهذا على الرومان، فسوف نفنى عن آخرنا". وعلق أحد كتاب صحيفة "عكاظ" السعودية على دموع السنيورة حينها بالقول "وهل وصل بنا الحال لأن يبكي القادة ، بعد أن بكت الشعوب عدة قرون؟". ورأى الكاتب أن بكاء السنيورة لم يكن فقط تأثراً على دماء الضحايا وأشلاء الأطفال وآلاف المشردين، لكنه كان أيضاً "بكاء ضعف وعجز بعد أن خذله الجميع في الداخل والخارج". واللبنانيون متأكدون أن دموع ميقاتي، أكانت عن فرح إنجاز أو ضعف أمام ما ينتظره، أن "اقوياء لبنان" الذين دعموه وشاركوه "الإنجاز" لن يترددوا لحظة في خذله حين تدعوهم حاجتهم لذلك.

مواقع الإعلام الروسية أجمعت تقريباً على القول "وأخيراً أصبح للبنان حكومة". موقع وكالة الأنباء الإتحادية "FAN" نشر نصاً في 12 من الجاري بعنوان "حكومة الإنقاذ: ما الذي يمكن توقعه من حكومة لبنان الجديدة". قال الموقع بأنه، بعد إعلان الحكومة الجديدة، بدا وكأن اللبنانيين بوسعهم تنفس الصعداء، إذ اصبح بوسع بلدهم الآن أن يتجنب العقوبات ويستعيد إتصالاته الطبيعية بالمنظمات الدولية. لكن بعض الخبراء لا يتوقعون أية تغيرات إيجابية، ولا يصدقون في إمكانية إصلاحات فعالة. 

يُعرّف الموقع نجيب ميقاتي بأنه الملياردير، إمبراطور الإتصالات، أسس مع شقيقه العام 1982 شركة إتصالات، وبيعت العام 2006 لمجموعة جنوب إفريقية بمبلغ 5,5  مليار دولار. بلغت ثروته العام 2005، حسب "Forbes"، 3,3 مليار دولار، مما جعله أغنى رجل في لبنان. ويقول الموقع بأن ميقاتي ينتهج باعتدال تهجاً موالياً لسوريا، وأسس حزباً سياسياً "حركة العزم". 

يقول الموقع بأنه من الواضح أن الحكومة الجديدة لن تكون قادرة على تغيير جذري للوضع في لبنان. لكن مع ذلك، وبعد 13 شهراً من المأزق، تمكنت النخب اللبنانية من التوصل إلى حل وسط، وقامت بالخطوة الأولى لإعادة بناء البلاد. وبوسع اللبنانيين أن يحصلوا على أموال المؤتمرات المانحة و"حزمة الإنقاذ" من صندوق النقد الدولي. ومع ذلك ، لم تختف المشاكل، ولا يزال الوضع في لبنان حرجًا، وهو يعاني من أزمة شديدة العمق في كافة المجالات، ويضطره وضعه الداخلي إلى المناورة بين الغرب وإيران ودول الخليج

صحيفة "Kommersant" نشرت نصاً يوم إعلان تشكيل الحكومة بعنوان "حكومة مع دموع في العيون". قالت كاتبة النص المتابعة لشؤون الشرق الأوسط في الصحيفة ماريانا بالينكايا بأن الساسة اللبنانيين إحتاجوا لأكثر من سنة لتشكيل حكومة، وليس بدون ضغط المجتمع الدولي. المؤتمر الصحافي الأول بعد "إختتام المنازلات السياسية" عقده نجيب ميقاتي والدموع في عينيه، وهو يتحدث عن مآسي اللبنانيين، بينما كان زعماؤهم يحاولون العثور على نقطة تقاطع في ما بينهم. 

وتقول الكاتبة أن المرة الأولى التي أصبح فيها ميقاتي رئيساً للوزراء قاد لبنان إلى الإنتخابات واستمرت ولايته ثلاثة أشهر. لكنهم لا يستبعدون في لبنان أنه في هذه المرة، وهي الثالثة، يريد أن يبقى في منصبه بعد الإنتخابات أيضاً. 

وتنقل الكاتبة عن مصادر للصحيفة في لبنان بأن دوراً مهماً في تشكيل الحكومة، لعبه إتصال هاتفي بين الرئيسين الفرنسي والإيراني. وبالنسبة للدولتين يكتسب الإستقرار في لبنان أهمية مبدئية. 

وقد بحث ماكرون أكثر من مرة خيارات نقل السلطة، إلا أنه لم يتمكن من التوصل إلى توافق وفي الأكثر بسبب موقف حزب الله المقرب من إيران الداعم لميشال عون وجبران باسيل. 

لكن في النهاية، حزب الله بالذات هو من أجبر جبران باسيل على قطع وعد بعدم عرقلة تشكيل الحكومة، حسب ما تنقله الكاتبة عن الإعلام اللبناني ومركز كارنيغي في بيروت. وتقول بأن حزب الله وإيران كانا منزعجين من أن  تؤدي مناورات باسيل على حافة الهاوية إلى تدهور الوضع في لبنان، مما يثير ردة فعل سلبية تجاه حزب الله، خاصة في الطائفة الشيعية. وعلى هذه الخلفية كان كثيرون في لبنان يتخوفون من حرب أهلية جديدة. 

وتنقل الكاتبة عن خبراء كارنيغي قولهم بأن ميشال عون وجبرانباسيل لم يريدا أن يكونا مسؤولين عن فشل المحاولة الجديدة لتشكيل الحكومة، وبالتالي عن غياب المساعدة الدولية  لخروج لبنان من الأزمة المالية الإقتصادية. وكان من شأن ذلك أن يضع نهاية لطموح باسيل إلى رئاسة الجمهورية بعد ميشال عون. وكما لجبران باسيل، كذلك لجميع الساسة اللبنانيين المهمة الرئيسية هي أن لا يفقدوا مقاعدهم النيابية في الإنتخابات القادمة. 


   

 

 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024