روسيا في ال2020:سنة الأوبئة المتعددة

بسام مقداد

السبت 2021/01/02
ودع العالم سنة 2020 بركلة في قفاها ، وتمنى ألا تتكرر مع ما حملت من وباء وموت وفقر للعالم أجمع . إلا أن للروس رأياً آخر بها ، حسب تقرير الهيئة المركزية الرسمية لدراسة الرأي العام أواخر الشهر المنصرم ، إذ أنهم يعتبرون ، أن روسيا كانت "تطاردها الإنتصارات المتواصلة" . كما يعتبرون ، وفق التقرير،  أنها تعبر أزمة الوباء أفضل من البلدان الأخرى ، على الرغم من أنها تقدمت السنة الماضية إلى مصاف البلدان الأولى في العالم بمؤشر "فائض الموت"، وليس بسبب الوباء فقط.

الإنتصارات المتواصلة ، التي "طاردت روسيا" خلال السنة الماضية ، حسب التقرير ، الذي علقت عليه صحيفة "NG" الروسية في 22 الشهر المنصرم ، تمثلت بإنتصار ديكتاتور بيلاروسيا ألكسندر لوكاشنكو على شعبه ، الإنتصار في سوريا ، الإنتصار على فيروس الكورونا والسنوية ال 75 للإنتصار على الفاشية . لكن ، ولسبب تجهله الصحيفة ، عادت الهيئة وسحبت من التقرير في اليوم عينه ، الذي نشرته فيه ،  ذكر إنتصار لوكاشنكو والإنتصار على الكورونا والإنتصار السوري  .  والحدث الأهم في 2020 ، برأي الروس ، كان الصراع مع الكورونا ، تلاه حدث التعديلات الدستورية ، التي أتاحت للرئيس بوتين تمديد بقائه في السلطة . أما الأزمة الإقتصادية فلم يلتفت إليها سوى 4% من الروس ، ولم ينل واقع مستوى المعيشة المنخفض سوى إهتمام 3% منهم فقط.

وتنقل الصحيفة عن إختصاصية روسية في المدرسة العليا للإقتصاد تفسيرها لإجابات الروس في التقرير ، والنسب المتدنية للإهتمام بالأزمة الإقتصادية وتدني مستوى المعيشة . تقول هذه الإختصاصية ، بأن الروس يصيغون أجوبتهم بما يتلاءم مع ما يسمعونه في وسائل الإعلام ، حيث مسألة الأزمة الإقتصادية والفقر لا يحظيان بإهتمام هذه الوسائل . والروس ، برأيها ، يعيشون الفقر منذ زمن بعيد ، ويتأقلمون مع الوضع بما تيسر من إقتصادات مساعدة . وهؤلاء الناس لا يغادرون ، عادة، مواطن إقامتهم ، ولا يعرفون سوى ما يجري في محيطها ، لكنهم لا يستطيعون الحديث عما يجري في روسيا كلها ، لأن قنوات التلفزة ، التي يسمعون ، لا تتحدث عن ذلك كثيراً . وترى ، أن الأسئلة بذاتها ، تدفع الناس لإجابات محددة ، إذ أن الموضوعات المتعلقة بالبلاد ككل ، هي موضوعات مهمة ، أما الفقر فهو مسألة شخصية ، تخص كل واحد بمفرده . فلو سألوا المواطن ، مثلاً ، ما إن كان يعرف ، بأن الحكومة تحارب الفقر ، لكانت الردود إيجابية ، أما فقره الشخصي ، فهي مسألة ذاتية.

وعن الإنتصار في سوريا ، تقول الإختصاصية ، بأن الناس يصيغون إجاباتهم وفقاً لما يسمعونه من قنوات التلفزة الرسمية الثلاث ، التي يسمونها . وهم لا يعرفون شيئاً عن هذا الإنتصار من خلال تجربتهم الشخصية ، وأي دخول في التفاصيل ، من شأنه أن يضعهم في وضع حرج.

وتنقل الصحيفة عن خبير في أكاديمية إدارة الأموال والإستثمارات قوله بأنه ، بعد إقفال المصانع وتسريح العاملين الكثيف ، الذي شهدته روسيا السنة الماضية ، أخذ الناس يطابقون أقل بين وضعهم ووضع الدولة ، وأصبحوا يفكرون أكثر في كيفية تحسين أوضاعهم ، وليس في مساعدة الدولة على جمع ضرائب وغرامات أكثر منهم ومن البيزنس . ويعتبر الخبير ، أن الناس ، الذين يعيشون دون مستوى الفقر ، لم يعد فقرهم مشكلة ، بل واقعاً حقيقياً ، ونسبة ضئيلة جداً منهم تستطيع الخروج من هذا الوضع بالإتكال على أنفسهم ، وليس على السلطة ، أو أية قوى أخرى.

ويختتم الخبير حديثه للصحيفة بالقول ، أن الإخفاقات في نظام الإستشفاء الروسي ، خاصة تلك المتعلقة بجائحة الكورونا ، تحاول أجهزة الإعلام الفيدرالية عدم التوسع في الحديث عنها.

صحيفة "news.ru" الروسية المعارضة ، نقلت في آخر أيام السنة المنصرمة عن مدونين في الفيسبوك آراء مختلفة كلياً عن ما سبق . فقد نقلت عن أحدهم قوله ، بأن 2021 قد تكون أسوأ من 2020 "السيئة" . ويستعرض إنخراط روسيا في الصراعين السوري والليبي ويقول ، بأن المشكلة الرئيسية لروسيا ، أنها إنخرطت ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، في هذه الصراعات ، من دون أن يكون  لديها أدنى ضمانة لكسب رهاناتها ، أو التعويض عنها.

وتنقل عن أحد أعضاء مجلس نواب مقاطعة روسية قوله ، بأنه من كان ليفكر مطلع سنة 2020 ، بأنها سوف تكون سنة الأوبئة الكبيرة ، التي تهدد ، ليس صحة الناس البدنية فقط ، بل وصحتهم العقلية والإجتماعية أيضاً. ويعتبر ، أن روسيا تعاني من وبائين في آن : وباء صحي ضحاياه عشرات الألوف من الناس ، وأخر سياسي ، جعل المجتمع الروسي كله ضحية له.

الكلمات الرئيسية للسنة الماضية ، كانت كلمة الحجر الذاتي المأساوية ، حين كان الإنسان ،  وليس بإرادته، يغدو سجيناً بين أربعة جدران ، ولا من معين له . لقد حظرت الدولة الحركة على الناس، دون أن تقدم لهم شيئاً بالمقابل ، وفقد الملايين مداخيلهم ، وافتقرت ملايين الأسر.

تصفير عدد ولايات بوتين ، كانت أكثر التعابير المعيبة في السنة المنصرمة . فقد قرر بوتين البقاء في السلطة مدى الحياة ،  ورمى في سلة المهملات جميع وعوده السابقة ، وقَبِل التعديلات على الدستور بشأن إمكانية الحكم مدى الحياة . وكان هذا يعني ، في ما يعنيه ، الإفلات لمدى الحياة من العقاب على مختلف الجرائم. ولتأكيد هذه التعديلات ، قاموا ، ومن دون خجل ، بتنظيم إنتخابات مهزلة ، حملوا فيها صندوقة الإقتراع إلى الناخب حيث وجد ، ولن يعرف أحد نتائجها أبداً . وحصل بوتين على مبتغاه ، ومحى عدد دورات رئاسته ، لكن الناس لم تمح كرامتها البشرية ، ووقف الملايين ضد بوتين ، وضد تصفير ولاياته وأبديته في السلطة.

لقد أعجبتهم إنتخابات التعديلات الدستورية وتصفير عدد الولايات ، فقرروا تشويه كل النظام الإنتخابي في روسيا ، لأنهم لا يخشون شيئاً ، كما يخشون الإنتخابات الحرة في روسيا ، مثل ما "يخشى الشيطان البخور ، أو المجرم محكمة الشعب" ، على قول النائب.

ديكتاتور آخر بلغ به الغضب حد التوحش، هو المجنون الكسندر لوكاشنكو ، الذي  سرق من الشعب البيلوروسي الإنتخابات والسلطة نفسها ، وحول البلد إلى زنزانة تعذيب ، والأجهزة الأمنية إلى ما يشبه الغستابو . بوتين دعم لوكاشنكو ، وبنقود المواطنين الروس أيضاً ، دون أن ينبس بكلمة إدانة واحدة لفظائعه وسياسته المتوحشة . ويعتري الروس شعور بالخجل ، لأنهم لم يتمكنوا  من مساعدة البيلوروس ، وتكللت روسيا بعار المشاركة في الجرائم ضدهم.

يواصل النائب تعداد الأوبئة السياسية ، التي تبلورت في روسيا العام 2020 المنصرم ، ويقول ، بأن الروس كانوا شهود عيانً على قيام الدولة الروسية بالإغتيال السياسي بمواد الأسلحة الكيميائية ، ومكافأة القتلة على جريمتهم بالنقود القذرة . ويقول ، بأن الروس ينهون سنة 2020 السياسية ، وهم يدركون ، أن الدولة الروسية تخلت كلياً عن إحترام الحريات ، وتدمر القوانين الروسية حقوق الإنسان ، والقضاة الروس مستعدون لتغطية أية جريمة للدولة . لقد تخطت السلطة جميع حواجز العيب والضمير ، ولا يخشى المسؤولون إلا على أنفسهم ، وهم يخلقون المزيد من الأوبئة السياسية في المجتمع الروسي ، ولا يتسترون إلا على ضحايا وباء الكورونا.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024