إدلب:طريق تركيا المسدود

عائشة كربات

الثلاثاء 2018/12/11
تواجه أنقرة تحدياً جديداً في الحرب السورية، وهو طريق مسدود جديد: هيئة تحرير الشام في إدلب.
فمن ناحية، من خلال عدم الدخول في قتال عنيف مع قوات النظام السوري، على الأقل في الوقت الحالي، تقدم هيئة تحرير الشام ما تحتاج إليه أنقرة: الوقت والفرصة للتركيز على الجيب الكردي المدعوم من الولايات المتحدة في الشمال. من ناحية أخرى، من خلال توحيد نفسها عسكرياً وسياسياً في إدلب، تضع الهيئة أنقرة بين صخرتين لأن جهود تحرير الشام هذه تضعف يد أنقرة ضد روسيا على طاولة المفاوضات.
وما يزيد الطين بلّة هو أن الوقت الذي تكسبه أنقرة من خلال توطيد هيئة تحرير الشام قد ينتهي بشكل غير متوقع. إذا وقعت صدامات بين الهيئة وقوات النظام، فإن النظام السوري قد يشن عملية عسكرية واسعة النطاق في إدلب. دمشق وطهران تنتظران ذلك بحماس وبقوة. لكن مثل هذه العملية العسكرية واسعة النطاق يمكن أن تخلق تدفقاً جديداً من اللاجئين نحو تركيا. إذا حدث هذا التدفق، فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم سيواجه تحدياً جديداً. قد يفقد بعض أصواته في الانتخابات المحلية التي تقترب في آذار/مارس. مثل هذه الخطوة يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التغييرات السياسية في تركيا.
لا شك أن أولوية أنقرة تتمثل في منع جيوب حزب العمال الكردستاني المدعوم من الولايات المتحدة في سوريا. بالنسبة لأنقرة، فإن وحدات حماية الشعب - حليف الولايات المتحدة في سوريا - هي مجرد امتداد لحزب العمال الذي يشن حرباً على تركيا منذ عقود. تعتقد أنقرة أن هذا الجيب ليس سوى تهديد وجودي.
في الآونة الأخيرة، زادت أنقرة حجم وتيرة التهديدات - أو الوعود - بالتدخل العسكري على الضفة الشرقية لنهر الفرات، حيث تتمركز وحدات حماية الشعب التي تسيطر على ما يقرب من ثلث مصادر الطاقة في سوريا.
وإذا كانت أنقرة لم تستوفِ وعودها العسكرية بعد، فإن السبب في ذلك ليس فقط الحماية الأميركية هناك. للقيام بهذا العمل العسكري، تحتاج أنقرة إلى موافقة روسيا أيضاً. ومع ذلك، بالنسبة لموسكو، فإن الأولوية من دون شك هي إدلب. يريد الرئيس فلاديمير بوتين صفقة سياسية نهائية لسوريا في أقرب وقت ممكن، وليس نزاعاً عسكرياً جديداً سيؤجل مثل هذه الصفقة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الوضع في إدلب يجعل الروس غير صبورين. فموسكو مع حليفتها إيران والنظام، ترغب فقط في السيطرة الكاملة على المنطقة، لتنظيفها من الثوار، وخاصة ما تصفه بمنظمات "ذات عقلية راديكالية"، وتحديداً هيئة تحرير الشام. لكنها تدرك أيضاً أنها إذا أطلقت عملية عسكرية في إدلب، فقد تكون تكاليفها أكبر مما تحسب؛ وتؤدي الوفيات بين المدنيين وتدفق اللاجئين المتوقع إلى غضب أوروبا. أيضاً النصر غير مضمون.
ولهذا السبب قررت روسيا منح تركيا فرصة، وهذا هو السبب في توقيع اتفاق سوتشي بين بوتين وأردوغان. اتفقوا على إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح تمتد من 15 إلى 20 كم حول مدينة إدلب، وأن تنسحب الجماعات الراديكالية بما فيها تحرير الشام من المنطقة بحلول 20 أكتوبر. لكن منذ ذلك الموعد، كان الروس يشكون في أن المتطرفين ما زالوا في المنطقة منزوعة السلاح.
إذا كانت الأولوية الأولى لأنقرة هي منع الكيان المرتبط بحزب العمال الكردستاني في سوريا، فإن الأولوية الثانية هي إنشاء وتوسيع الجيوب التي يحتفظ بها المتمردون من أجل خلق نوع من الاستقرار في تلك المناطق، خاصة لإدلب، ولجعل المتمردين هناك يشكلون كياناً مع الشرعية الدولية. في مثل هذا السيناريو، ليس لهيئة تحرير الشام مكان لأنها لن تكتسب الشرعية أبداً في نظر الكثيرين بسبب ارتباطها بتنظيم القاعدة، بغض النظر عن إنكارها ذلك.
تناضل تحرير الشام للاستيلاء على بعض الأراضي من الجماعات المتمردة الأخرى في إدلب، وتحاول زيادة قبضتها على الطرق السريعة M4 وM5، وهي شريان الحياة بين حلب واللاذقية. ومع ذلك، كانت صفقة سوتشي توحي بأن هذين الطريقين سيكونان مفتوحين للجميع حتى نهاية السنة وضمان ذلك هو على أكتاف تركيا.
حتى الآن، حاولت أنقرة أن تقسم هيئة تحرير الشام بدلاً من المواجهة المباشرة معها، وكانت ناجحة جزئياً، ومن خلال دعم المجموعات المتنافسة، تسعى أنقرة إلى موازنة ذلك. هل يمكن تطبيق هذه التكتيكات على الضفة الشرقية لنهر الفرات أيضاً؟ ربما يجب أن تفكر أنقرة الآن في الوقت الشائك الذي تكسبه في إدلب.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024