بإنتظار غورباتشوف الايراني

اسعد حيدر

الخميس 2020/05/14
                          
             كان السؤال وما زال : من سيكون خليفة المرشد  اية الله علي خامنئي بعد ثلاثة عقود من السلطة المطلقة ؟ الان وبعد سلسلة من التطورات يصح السؤال : من سيكون غورباتشوف الجمهورية الاسلامية في ايران القادر على التغيير دون تفكيك ايران كما حصل مع الاتحاد السوفياتي ؟ 
         ليس هذا السؤال من باب الأمنيات او التوقعات وانما نتيجة  مسلسل من الأحداث التي تبدو مثل تدحرج كرة ثلج يشبه كثيرا ما جرى في الاتحاد السوفياتي مع اختلاف واضح في الوقائع والمواقع ناتجة عن الاختلاف الكبير في النظامين . في تطور غير مسبوق منذ حوالي عشر سنوات خرج الرئيس الأسبق محمد خاتمي من أسر الصمت الإجباري كما يحصل مع الشيخ مهدي كروبي ومير حسين موسوي والعديد من المفكرين والصحافيين لينشر على مواقع التواصل الاجتماعي كلمة له مصورة حذر فيها من :" لجؤ الشعب المستاء من الوضع الى الانتفاضة فيما لو استمر الوضع المعيشي السيء " وعزا خاتمي هذا الوضع الى :"اتساع الفجوة الاقتصادية وانخفاض الايرادات الحكومية وارتفاع التكاليف، اما احدى ابرز المآسي في العقود الاخيرة فهي انكماش الطبقة المتوسطة … وصولا الى اليأس وعلى ضؤ خيبة الامل قد نلاحظ الحركات الحادة تدريجيا "…  
        
         من الواضح ان محمد خاتمي وطني ويريد حلاً ينقذ البلاد ، لكن بين ما يريده ويتمناه وما يمكن ان يحصل مسافة واسعة جدا ،خصوصا وان النظام يتدرج بسرعة  نحو الغرق في أزماته تماما كما حصل مع الاتحاد السوفياتي الذي دخل في سباق تسلح غير محدود ، وسباق ضخم بتكاليفه لغزو الفضاء مع الولايات المتحدة الاميركية، مهملاً في هذا السباق، الشأن الخارجي _الداخلي، مما رفع نسبة الاحتجاج الشعبي الصامت حتى اذا انفجر بركان الغضب وتشظى الاتحاد السوفياتي الى دول تستجدي المساعدات من الغرب … اما في حالة ايران فان سباقها في التسلّح " لتصبح بداية  قوة دولية" وتدفع مسؤولاً مثل جواد ظريف وزير الخارجية الذي عاش ودرس  وعمل في اميركا حوالي عشرين سنة ويعرف تفاصيل تركيبتها وقواها وقوتها،  لتهديدها  متناغماً في ذلك  مع قائد البحرية الاميرال خانزادي ( الذي، في اي دولة ديموقراطية، يجب ان  يقدم استقالته بعد حادثة المدمرة جمران ومقتل الضباط والبحارة التسعة عشرة، و الجرحى الخمسة عشرة ) للقول : "ان اميركا خائفة ( حسب وكالة ارنا ) او قلقة( حسب وكالة الطلبة ايسنا) من ايران اليوم " . 
                قفزة جديدة وواسعة قام بها النظام في طهران مع إطلاق القمر الصناعي العسكري"نور"بالاعتماد على صاروخ قفز بايران قفزة صاروخية سواء في ميدان الصناعة الصاروخية او الغزو الفضائي بعيداً عن التكلفة المالية والاقتصادية الضخمة التي تزيد من الأعباء على كاهل المواطن الايراني العادي وتدفعه للتساؤل، كما السوفياتي، لقد وصلنا الى الفضاء فماذا عن الارض والخبز .ربما تستعد طهران لوضع واشنطن امام الامر الواقع في أي مفاوضات قادمة بحيث يكون بند السلاح الصاروخي خارج المفاوضات او في احسن الأحوال  بشروط معقولة …. لكن هذا لا يحول دون تذمر الايرانيين من الأزمات  . 
           تعتمد طهران في التعامل مع واشنطن على براعتها في المناورة واطمئنانها الى "عدم ارتكاب اميركا اي حماقة "وهذا الاطمئنان دفع بقائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي"الذي يوصف بانه مذياع خامنئي العسكري " الى التهديد "برد ساحق على اي مغامرة تقوم بها قوات معادية بما فيها اميركا ". نفخُ قوة الحرس وموقعه ودوره يجري بوتيرة صاروخية الى درجة انه بعد إمساك الحرس بالاقتصاد والغاء دور البازار وموقعه في تركيبة النظام الخميني وضع في واجهة العمل لمحاربة الكورونا بحيث بارك المرشد خامنئي دوره في هذه المهمة في توجه واضح لكسب الشعبية له … ويبدو هنا واضحا ان التوجه كان لإنتخاب الفريق قاسم سليماني رئيسا للجمهورية فيصبح هوالذي يمسك النظام ولا يبقى مهماً من سيكون المرشد لان دوره سيُصبِح رمزيا وليس كما خامنئي الولي الفقيه المطلق الصلاحية. وما يؤشر الى ذلك  ما ذكر عن وصيته التي نشرت في العراق ؟ وفيها يقول أن ما يرسم موقع "جمهوريته" هو ان"الجمهورية الاسلامية تمثل حرماً فاذا بقي فان سائر العتبات المقدسة ستبقى واذا قضى العدو على هذا الحرم فلن يبقى حرم، لا الحرم الابراهيمي ولا المسجد النبوي". والسؤال الذي يصبح مشروعا :هل إغتيل سليماني لانه كان سيتحول الى عقبة امام الحل الاميركي؟ وماذا عن الداخل الايراني وصنيعته العميل العراقي في عملية الاغتيال علما انه لن يتم العثور على جنرال مثله … 
وهذا الأمر ليس بسيطاً ذلك ان  سليماني هو نتاج صناعة ثلاثين عاماً من النشاط العسكري والسياسي المتحرك على قاعدة استراتيجية لا شريك له فيها سوى المرشد اية الله خامنئي . ولا شك ان عدم وجود بديل للجنرال سليماني في الدور قبل الموقع، يرفع من منسوب التعقيدات والمصاعب التي يواجهها وسيواجهها المرشد خصوصا في التعامل مع الحصارين" الترامبي " والكورونا . 
       اقدم المرشد على عملية دفاعية طويلة الأجل لانه يواجه مجهول بقاء ترامب في البيت الابيض وبالتالي تمديد المواجهة والحصار والتفاوض بينهما :
•  حاول "أنسنة "دور ونشاط "العسكر " وليس فقط "الحرس" بالقول عبر مستشاريه  : الحرس والجيش والباسيج وبمباركة من المرشد تولوا  قيادة رد الدولة على الكورونا " وقد انجز هؤلاء في فترة زمنية قياسية، ما لم تنجزه اميركا وألمانيا وإسبانيا، أي بناء وتجهيز 38مستشفى و80 مستوصفاً تضم 1800 سرير كما أعلن الجنرال امير سياري . 
• فتح باب التفاوض مواربة مع إمكانية انكار ذلك، اذ استعاد من التاريخ الشيعي واحداثه حادثة صلح الامام الحسن مع معاوية التي كان ذِكرها مكروهاً امام تضحية وشجاعة الامام الحسين في كربلاء اذ قال :" ان الامام الحسن هو اشجع شخصية في التاريخ الاسلامي" (ماذا اذا عن الامام علي والإمام الحسين؟ )وقد علل ذلك بقوله:" لقد ضحى الامام الحسن بنفسه واسمه بين اصحابه فداء للمصلحة الاسلامية وقبل بالصلح … هو هداية لأجيال المستقبل".
 
    ليس بالضرورة ان يقفز المرشد ومعه ايران الى احضان ترامب فورا وتوقيع اتفاق جديد معه (عام 2013 اكتفي بوصف توقيع الامام الحسن بالمرونة البطولية، ووقع على الاتفاق النووي عام 2015؛ لكن من الواضح هنا انه يترك الباب مفتوحا امام خليفته للتوقيع فهو جعل من صلح الامام الحسن" هداية لأجيال المستقبل". 
   الرئيس ترامب تقدم خطوة الى الامام، (علما ان  التغريدة حذفت من الوكالة الرسمية ايرنا قبل مضي 24 ساعة على نشرها ) بسحب شبكة صواريخ باتريوت من السعودية وقبلها جرى عمليا تبادل اطلاق سجناء مقدمة لإكمال ما تبقى … مما يؤهل لسياسة التفاوض والحل خطوة خطوة .
    الجمود خطر والفشل أخطر واللعب على الوقت لم يعد مفتوحا … 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024