موسكو تتوسط بين الرياض وطهران

بسام مقداد

الثلاثاء 2021/01/19
أيام معدودة تفصل بين زيارتي وزيري الخارجية السعودي والإيراني إلى موسكو . وتجمع المواقع الإعلامية الروسية ، التي تابعت زيارة الوزير السعودي ، على أن قلق السعودية بشأن سياسة الإدارة الأميركية الجديدة حيال إيران ، هو الذي قاد الوزير السعودي إلى موسكو . ولم تعلن الخارجية الروسية عن موعد الزيارة سوى قبل يوم واحد من موعدها (14 من الشهر الجاري) . وقالت في إعلانها ، أن موسكو تأمل في أن تؤكد المفاوضات على تعزيز وتوسيع الشراكة بين الصندوق الروسي للإستثمارات المباشرة وصندوق الإستثمارات العامة السعودي ، والتأكيد على المحافظة على التنسيق الوثيق بين روسيا والسعودية في أسواق النفط . كما أشارت إلى أن المفاوضات ستتطرق إلى التعاون في حقلي الطاقة النووية والفضاء ، لا سيما بشأن إعداد رواد فضاء سعوديين وإرسالهم إلى الفضاء ، حسب موقع وكالة الأنباء الروسية "regnum".

لم يذكر إعلان الوزارة ، بأن المفاوضات بين الطرفين ستتطرق إلى الموضوع الإيراني ، الذي تحدث عنه كل من الوزيرين في المؤتمر الصحافي المشترك في ختام المفاوضات بينهما . إلا أن صحيفة "kommersant" السياسية الكبرى قالت في تعليق لها على المفاوضات بين الطرفين بعنوان "روسيا مستعدة أن تأخذ إيران على عاتقها" ، وأن سيرغي لافروف وعد زميله السعودي فيصل بن فرحن آل سعود إبلاغ رسالة إلى إيران . وتقول الصحيفة ، بأن اللقاء تم بعد المصالحة الخليجية مباشرة عملياً ، مما يجعل موسكو تأمل الآن ، بأن تجد دول الخليج العربية لغة مشتركة مع إيران . لكن تصريحات الضيف السعودي تشير إلى أن الأمر لا يزال بعيداً عن ذلك . غير أن سيرغي لافروف لا يبدو، حسب الصحيفة ، بانه ينوي الإستسلام ، إذ وعد بنقل مخاوف الرياض إلى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ، الذي يزور موسكو في 26 من الشهر الجاري ، حسب تاس . وسوف يبحث ظريف مع زميله الروسي عدداً من المسائل الدولية ، بما فيها ، خطة العمل المشترك في البرنامج النووي الإيراني ، والوضع في كاراباخ وسوريا وأفغانستان والخليج ، كما تقول الناطقة باسم الخارجية الروسية. 

تشير صحيفة "kommersant" ، إلى أن الصحافيين لم يتمكنوا من معرفة سوى القليل من القسم البروتوكولي في المحادثات ، حيث لاحظ لافروف ، أن أعضاء الوفد السعودي جلسوا إلى طاولة المفاوضات ، دون أن ينزعوا ملابسهم الخارجية ، فسألهم ما إن كانوا إلى هذا الحد يشعرون بالبرد في موسكو . ولاحظت الصحيفة أن النساء في الوفد السعودي يرتدين بذلات مع البنطال ، في حين يرتدي الرجال الزي العربي التقليدي . وتحدثت عن الوزير السعودي فيصل بن فرحان آل سعود ، فقالت ، بانه لا يبلغ من العمر سوى 46 عاماً ، وهي "سن مبكرة للسياسة العربية " ، وبأنه نموذج للجيل الجديد في النخبة السعودية ، وولد وتعلم في ألمانيا ، ويتكلم الألمانية والإنكليزية بطلاقة. 

وبعد أن تتحدث الصحيفة عن قسم المفاوضات المتعلق بالتعاون الإقتصادي بين البلدين ، بما فيه تجربة المرحلة الثالثة من اللقاح الروسي "sputnik v" ضد فيروس كورونا وإنتاجه في السعودية ، تقول ، بأن المفاوضات بشأن الشرق الأوسط كانت "أكثر صعوبة" . وبدا أن الوزيرين عبرا في المؤتمر الصحافي عن وجهات نظر مشتركة في دعم الحوار الوطني في ليبيا وسوريا وجهود الأمم المتحدة بشأن المصالحة في اليمن ، وضرورة تجديد المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية . لكن ما أن تطرق الحديث إلى إيران ، حتى افترقت وجهات نظر الطرفين . الوزير السعودي كرر الإتهام التقليدي لإيران بتقويض الأمن في المنطقة ، وخاصة دعم "الأعمال الهدامة" للحوثيين في اليمن ومدهم بالأسلحة . كما أكد فيصل بن فرحان على تأييد السعودية للقرار الأميركي إعتبار "أنصار الله" منظمة إرهابية ، وبأن القرار لايقوض جهود الأمم المتحدة لإحلال السلام في اليمن ، كما يخشى المفاوضون الدوليون والمنظمات الإنسانية . وهنا برز، حسب الصحيفة ، الخلاف الأول مع لافروف ، الذي قال  بأنه كان بوده أن يتحقق التوقع السعودي وألا تتأذى العملية السلمية في اليمن ، لكن كثيرين ، بمن فيهم ممثلو الأمم المتحدة ، يعبرون عن مخاوفهم من الأثر السلبي للقرار الأميركي. 

تقول الصحيفة ، أن الخلاف برز للمرة الثانية حول إيران أيضاً . في رده على أسئلة الصحافيين ، قال الوزير السعودي ، بأنه طالما أن إيران لم تقم بإعادة النظر بدورها في قضايا المنطقة ، وتتخلى عن نشر أيديولوجيتها ، لا يمكن الحديث عن أي تفاعل معها . ورد لافروف بقوله ، أن روسيا معنية بالحوار بين إيران والبلدان العربية ومستعدة لدعمه ، وذكّر بالنظرة الروسية للأمن في منطقة الخليج . وقال ، بأن روسيا تتفهم قلق السعودية بشأن ما يدور حول برنامج إيران الصاروخي ، وبشأن نشاطات إيران في هذه البلدان أو تلك في المنطقة ، ولهذا تقترح طرح جميع هذه المسائل في المؤتمر الذي تقترح عقده لمناقشة نظرتها لأمن الخليج. 

أعجبت كل المواقع الروسية ، التي غطت المؤتمر الصحافي ، بتشبيه لافروف لوجود الأميركيين في الشرق الأوسط ، بأنه يشبه وجود الفيل في متجر للأواني الزجاجية ، وتوقفت جميعها عند التوافق الروسي السعودي حول إختبار المرحلة الثالثة من اللقاح الروسي "sputnik v" وإنتاجه في السعودية ، واقتصرت تغطية صحيفة الكرملين " vz " للمؤتمر على هذه النقطة بالذات. 

الصحيفة الروسية الإلكترونية  "gazeta.ru" علقت على المؤتمر بنص عنونته بالقول "حان الوقت لتنسيق المواقف : لافروف يلتقي للمرة الأولى زميله السعودي" . واستضافت الصحيفة عدداً من الخبراء الروس بشؤون الشرق الأوسط للتعليق على زيارة الوفد السعودي . كبير المدرسين في مدرسة الإستشراق التابعة لمدرسة الإقتصاد العليا أندريه تشوبريغين رأى أنه ليس من الصدفة أن تتم الزيارة عشية تسلم الإدارة الأميركية الجديدة السلطة في البيت الأبيض ، إذ من المهم بالنسبة للبلدين تنسيق مواقفهما . ويرى أن تغيير السلطة بالنسبة للسعودية ، يعني أن علاقة الحب الأخوي ، التي كانت في عهد ترامب لن تستمر ، لأن من غير المحتمل أن يبني بايدن العلاقة وفقاً لكمية ونوعية عقود التسلح التي تم توقيعها ، كما كان بالنسبة لترامب . ويرى أن سياسة الولايات المتحدة حيال الشرق الأوسط سوف تتغير كلياً ، إذ أنها ستنخرط أكثر في العمليات الشرق أوسطية الحقيقية . ويعتبر أنه الوقت المناسب للتنسيق بين مواقف البلدين ، أو حتى الإتفاق على خطوات ما ملموسة في الشرق الأوسط ، من دون أن يكون بوسع أحد معرفة إلى أي مدى ستكون موفقة ، كما كل شيئ في الشرق الأوسط. 

يلينا سوبونينا المعروفة جيداً في المواقع الإعلامية الناطقة بالعربية توافق شوبريغن على ربط موعد الزيارة بتبدل السلطة في البيت الأبيض ، وتقول ، بأن السعودية تريد أن تستكشف المسائل ، التي بوسعها التعاون بشأنها مع روسيا والولايات المتحدة في آن . وترى سوبونينا ، أن السعودية هي أحد بلدان الشرق الأوسط الأكثر نفوذاً ، وأن علاقة روسيا بها لا تتطور بالسرعة المرغوبة ، وتعتبر أن أوبك تشكل أنجح مجالات التعاون بين البلدين. 

ألكسي مالاشنكو ، مدير الدراسات العلمية في معهد "حوار الحضارات" يرى ، أن لقاء الوزيرين ، هو لقاء روتيني كلياً ، ولا يجدر توقع تغييرات جذرية في العلاقة بين البلدين ، لأن للبلدين مواقف  مختلفة في ما بينها ، تلتقي أحيانا، لكنها تفترق في معظم الأحيان. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024