مستقبل أميركا المظلم

لوري كينغ

الجمعة 2019/05/24
انتهى فصل دراسي آخر في جامعة جورج تاون، حيث كنت أدرس الأنتروبولوجيا لمدة 11 عاماً. في هذا الفصل الدراسي، كان لدي أكثر من 150 طالباً في ثلاثة أقسام مختلفة: قسمان من مقدمة الأنتروبولوجيا ودورة الأنتروبولوجيا الحضرية. ركّز الفصل التمهيدي في هذا العام الدراسي على الأنتروبولوجيا والصحة العقلية، وشجّع الطلاب على رؤية الروابط بين قراءاتنا وخبراتهم في الحياة. كنتيجة لتدريس هذه الدورة، تعلمت أن طلابي قلقون ومتشائمون بشأن مستقبلهم. 
حتى في جامعة النخبة، حيث يأتي الكثيرون من الطلاب من أسر ثرية ويمكنهم التطلع إلى الحصول على وظائف جيدة بعد التخرج، فإن الخوف واليأس واضحان. بالنظر إلى السمّية السياسية التي أطلقها دونالد ترامب والمخاوف المتزايدة بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري، فإن هذا ليس مفاجئاً. يدرك طلاب الجامعات اليوم أنهم لن يكسبوا ما يكسبه آباؤهم، فالكثيرون منهم مثقلون بالديون الهائلة للجامعة عند تخرجهم. وهم يعلمون أن الأُطُر البيئية للحياة على الأرض تتعرض لتهديد خطير. كأستاذة، أتساءل عما إذا كان ينبغي عليّ أن أعلمهم المزيد حول كيفية البقاء على قيد الحياة في العالم القاتم الذي يرثونه، أو إذا كان ينبغي علي التمسك فقط بالمناهج الدراسية التي استخدمتها لأكثر من عقد.
لقد قمت بتدريس الصفوف الجامعية في الولايات المتحدة وكندا ولبنان وإسبانيا لفترة تمتد لأكثر من 30 عاماً. على الرغم من أنني لم أكن أكبر سناً من طلابي عندما بدأت التدريس أولاً، إلا أنني أحاول مواكبة اهتماماتهم ومراجع الثقافة الشعبية وأهدافها، وقد لاحظت أنه مع مرور السنين، أصبح طلاب الجامعات يزدادون تعلقاً بفكرة تحصيل راتب جيد والحصول على أعلى الدرجات، بدلاً من استكشاف الأفكار ومناقشة وجهات النظر المتعارضة. 
المخاوف من المستقبل تتفوق على فكرة الانخراط في مفاهيم جديدة أو تلقي دورات في الفنون والإنسانيات التي لن تزيد من قدرتهم على الكسب. أنا الآن في عمر أهالي طلابي، وأستطيع أن أرى أن جيلي قد خذل بالفعل الجيل الناشئ بعدة طرق. المثل العليا التي حشدت حركات الشباب في الولايات المتحدة وأوروبا في الستينيات والسبعينيات لم تؤتِ ثمارها. يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة لحركات الربيع العربي لعام 2011. لقد هاجمت الرأسمالية النيوليبرالية التضامن الاجتماعي والأمل كأنهما سرطان، والشعور بالمرح والتجريب مفقودان بشكل ملحوظ الشباب الذين بدأوا حياتهم البالغة في أميركا اليوم.
كما لاحظ الفيلسوف بول تيليتش منذ فترة طويلة، يعيش البشر في مقاصد، متجهين نحو المستقبل ويتغذون من الاحتمالات. بين المنطق الاجتماعي الاقتصادي الصفري للرأسمالية الليبرالية الجديدة والأخطار المتزايدة لتغير المناخ، هناك مجال ضئيل للقصدية. بطبيعة الحال، فإن حياة طلابي المتميزين والطلاب من الشريحة العليا للطبقة المتوسطة هي جنة مقارنة بالجحيم الذي يواجهه الأشخاص الذين يعيشون في سوريا وغزة واليمن، ومع ذلك فهم يشعرون أن هناك شيئاً ما خطيراً وغير متوازن وأن طريقة العمل الحالية على كوكب الأرض غير مستدامة. يعبر طلابي عن انسحابهم أكثر من العالم الذي يرثونه عبر السخرية، وأشعر بعدم القدرة على تقديم إجابات وإرشادات قد تساعدهم على المناورة بمواجهة التحديات التي لا مفر منها والتي سيواجهونها قريباً. 
المطلوب حقًا هو التحول الكامل والجذري لكل نظام الحياة المعاصرة على هذا الكوكب: البيئي والاقتصادي والسياسي والتربوي والأخلاقي. وفقاً للفريق الدولي المعني بتغير المناخ، أمام الإنسانية 12 سنة فقط لعكس أو احتواء أسوأ عواقب تغير المناخ. ومع ذلك، يبدو أن أولئك الذين لديهم القدرة على القيام بذلك - الحكومات والشركات - غير مهتمين تماماً وغير متحمسين، لا سيما في العصر المظلم لرئاسة دونالد ترامب.
الكثير من أفضل طلابي - حتى أولئك الذين تخصصوا في التاريخ والأدب وعلم الاجتماع والفلسفة - سيذهبون للعمل في القطاع المالي في وول ستريت. تحرص البنوك التي أهلكت الاقتصاد الأميركي قبل عقد من الزمن على انضمام طلاب من مدارس النخبة مثل جورج تاون وييل وهارفارد وبرينستن إلى شركاتهم. من المحزن أن نرى الطلاب ذوي المهارات والذكاء لتحسين وتغيير العالم يدخلون "بلعوم" الليبرالية الجديدة.
الحصول على المال والثراء - بغض النظر عن حسابه - هو الهدف الذي لا شك فيه في الدراسات الجامعية الآن. الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الولايات المتحدة تنمو بشكل كبير مع مرور كل عام. الطبقة الوسطى تختفي، وعقلية "البقاء للأقوى" واضحة في كل أبعاد الحياة. يُنظر إلى الفقراء على أنهم خاسرون، وهم مسؤولون تمامًا عن "عدم تحقيق ذلك" في الاقتصاد القاسي الذي يشمل العالم بأسره الآن. وبالتالي، فإنهم يستحقون ما يحصلون عليه: السكن الرديء، والمدارس السيئة، ونقص الرعاية الصحية، والوظائف المقفلة. الجشعون والأنانيون يُكافؤون. يعتبر الاهتمام بالصالح العام ومصائر الآخرين المتشابكة مضيعة للوقت في أحسن الأحوال، مزحة في أسوأ الأحوال.
ومع ذلك، من الواضح أن طلابي يعرفون أنهم يتمتعون بامتيازات، وأنه لا يمكنهم التطلع إلى حياة الأمن الاقتصادي إلا إذا كانوا يشتركون في الحلم النيوليبرالي المتمثل في الحرية المطلقة لكسب المال دون أي احترام للحدود أو اللوائح. لكن الطلاب يشعرون بالانزعاج من هذا الأمر، ويفهمون أنه ستكون هناك أثمان كبيرة ستدفع بدل تكاليف تمجيد الجشع والممارسات الجشعة قبل بلوغهم منتصف العمر. 
في الوقت الحالي، لا يبدو أن هناك بديلاً واضحاً ومقنعاً للطريق الذي أُجبروا على اتباعه. يحتاج طلابي، بما لا يقل عن الشباب الذين لا يحظون بامتيازات، إلى رؤى وأطر عمل جديدة لأن الأنظمة البيئية والحكومية والاقتصادية والإيديولوجية التي دعمت المجتمع البشري على هذا الكوكب تنهار مثل أحجار الدومينو. هذه ليست مشكلة أميركية، بل هي معضلة إنسانية عالمية تمس الجميع على هذا الكوكب. ربما لم يكن الصعود المفاجئ للقومية والفاشية والجشع في الولايات المتحدة وأوروبا سوى نتيجة موت النظام القديم ومآسيه، والموقف الأخير لهياكل السلطة الذكورية الغنية والعنيفة التي ألحقت الدمار بالعالم لعدة أجيال.. مع تخرج طلابي، آمل أن يعيدوا اكتشاف الأمل والحماسة والشجاعة ليقوموا بالتغيير الذي يريدون - ويحتاجون - أن يروه في العالم. آمل أن يطالبوا ويشكلوا المستقبل على نحو أفضل.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024