روسيا إذ تقلم أظافر الايرانيين

مهند الحاج علي

الإثنين 2019/04/22
لم يكن التحدي الروسي لإيران وحلفائها الصغار في "الممانعة"، في تسليم رفات جندي اسرائيلي مفقود عام 1982، سحابة صيف عابرة، بل جاءت ضمن سياق من الأحداث المتتالية، يقود الى الاشتباكات بين القوى الموالية لهما في شرق سوريا وشمالها خلال الأسبوع الماضي. وهذا السياق للتنافس الحاد والمواجهة، يبدأ من المنافسة على الموارد السورية الشحيحة مثل الفوسفات والموانئ (طرطوس للروس فيما يُحاول الإيرانيون انتزاع اللاذقية) وبعض الرفات الاسرائيلية من زمن غابر، وينتهي بالسيطرة على الأرض والمواقع الاستراتيجية، كما بدا في اشتباكات متفرقة تشهدها الأراضي السورية.

صحيح أن كثيراً من المعلومات غير مؤكدة، لكن الواضح والمؤكد حتى الآن أن روسيا بالتعاون مع النظام السوري، أو بعضه، سلّمت دون مقابل ملموس، الإسرائيليين جثة جندي مفقود منذ عام 1982. كما نشرت الشرطة العسكرية الروسية قواتٍ لها على الحدود اللبنانية-السورية، واستنفرت ضد مجموعات من "حزب الله" على مقربة منها. والواضح أيضاً أن هناك خطاً ساخناً بين الجيشين الروسي والاسرائيلي، للتنسيق حيال الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية وضد الميليشيات الموالية لها. وهذا مُهين للإيرانيين وحلفائهم. نظرياً، من الممكن والمرجح أن يُلقي جندي روسي التحية على "زميل" إيراني، ثم يبتعد عنه قليلاً كي تقتله غارة اسرائيلية. الجندي الروسي على علم مسبق بالغارة، وربما ساعد الإسرائيليين في تحديد أهدافهم، على طريقة "يقتل القتيل ويمشي في جنازته". وربما المجاز الأقرب للواقع هنا هو لُعبة الصَنَم الرائجة بين شبان الثمانينات في المشرق حيث يدخل شاب داخل دائرة من الأصدقاء، ويتلقى ضربات رفاقه شرط ألا يراهم. الفارق في اللُعبة أن الإيراني لا يُغادر الدائرة ويتلقى الضربة تلو الآخر من الروسي والإسرائيلي والأميركي وحتى السوري. لا يُبارح مكان المتلقي، لكن لا يستسلم.

تردد الأسبوع الماضي أكثر من خبر حيال التنافس الروسي-الإيراني، بما يرقى الى مستوى جديد من التوتر بين الحليفين السابقين على الأرض السورية.

أولاً، بعد تسليم الروس جثة الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل إلى الإستخبارات الإسرائيلية، راج في تقارير عديدة أن رُفات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين ستُنقل الى إسرائيل قريباً (آخر التقارير يتحدث عن أيار موعداً للتسليم). وهذه من القضايا الأساسية العالقة بين البلدين، ومن المفترض مناقشتها مع حل شامل للنزاع السوري-الاسرائيلي يتضمن انسحاباً من الجولان. وهذا الأمر ينسحب على رفات باومل. ماذا تعني إعادة رفات باومل من دون خوض في هذه القضايا الأساسية، أو حتى دون استشارة الإيرانيين وحلفائهم؟ الاستنتاج الأول أن روسيا هي المُمسك الأول بالقرار السوري، لا الإيرانيين ولا ميليشياتهم.

هذه الرسالة الأولى من التبادل. الرسالة الثانية تتمثل في أن الأولويات الروسية مختلفة عن الإيرانية بشكل جذري. أولوية الروس اليوم هي إعادة إعمار سوريا وتعويم النظام مجدداً في المجتمع الدولي من بوابة حل قضية اللاجئين وربما لو تطلب الأمر، عملية سياسية جديدة قد تشمل ربما تنحي الرئيس السوري بشار الأسد موقتاً حتى موعد الانتخابات المقبلة. هناك من يربط بين الاحتمال الأخير، وبين مشاركة ضمنية لروسيا في رفع وتيرة الأزمة الاقتصادية السورية لزيادة الضغوط على النظام للقبول بالشروط الدولية.  

المسار الثاني للتوتر الروسي-الإيراني هو الأمني. تضبط روسيا على الأراضي السورية، الإيقاع الإقليمي مع طرفين تتمتع معهما بعلاقة ممتازة: تركيا وإسرائيل. تركيا تُواجه الولايات المتحدة والعالم الغربي، نتيجة تقاربها مع الروس وشرائها صواريخ "أس 400". وكذلك لإسرائيل علاقات ممتازة مع الروس، تشمل التبادل التجاري العالي، وأيضاً الجانبين الثقافي والشخصي. لذا فإن الأنباء المتواترة عن اشتباكات بين القوى الموالية لإيران وروسيا، غير بعيدة عن هذا الواقع. مصادر النظام في بيروت بدأت بالفعل تتحدث في جلساتها الخاصة عن تراجع النفوذ الإيراني في سوريا لمصلحة روسيا.

وهذا ما يحدث أيضاً على مستوى القيادات العسكرية والأمنية في ظل التبديلات الروسية، وآخرها الأنباء عن تعيين العماد سليم حربا، المعروف بقربه من الروس، رئيساً لهيئة الأركان الجيش السوري. وهناك تغييرات أوسع نطاقاً تجري بعيداً عن الإعلام مثل ما تردد مثلاً عن إقصاء رئيس الحرس الجمهوري طلال مخلوف لمصلحة مالك عليا.

لن تتحول هذه المناوشات الى مواجهة شاملة، لأن المصلحة الإيرانية، سياسياً واقتصادياً مع روسيا، تقتضي ذلك. لكن السؤال الذي تطرحه هذه التغيرات هو هل بات احتواء الوجود الإيراني وضبطه أولوية لروسيا؟

الأسابيع المقبلة كفيلة بتوضيح ذلك.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024