تركيا في لحظة الحقيقة

عائشة كربات

الخميس 2019/06/06
في وسط فترة الترنح الدبلوماسي لتركيا، يتراجع الجانب الأميركي في الوقت الحاضر، كما أن الجانب الروسي لم يصل إلى الأرض بالكامل أيضاً، ولكن بالتأكيد ستكون هناك تداعيات لهذا التأرجح على الشرق الأوسط.
مجرد مكالمة هاتفية ودية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى نظيره التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي وبعض التطورات التالية ذات الصلة بهذه المحادثة جعلت تركيا تدخل عيد الفطر أكثر سعادة. الليرة التركية تكتسب قيمة مقابل الدولار وتشتت المخاوف بشأن تركيا قليلاً.
لدى تركيا أسباب للقلق. الوضع الاقتصادي المتدهور أحدها. النشاط العسكري المتزايد لبعض الدول الغربية في البحر الأبيض المتوسط حول نزاعات الغاز الطبيعي في المنطقة ودعمها الكامل لمطالبات قبرص اليونانية حول هذه المصادر التي تتعارض مع المصالح التركية هو سبب آخر.
إضافة إلى ذلك، اعتادت الحكومة التركية مراراً وتكراراً على القول إن أنقرة تتعرض للتهديد الوجودي بسبب وجود وحدات حماية الشعب الكردية على طول حدودها مع سوريا. الوحدات هي فرع من حزب العمال الكردستاني، وهي منظمة إرهابية وفقاً لتركيا التي تعتقد أن المسؤول الرئيسي عن وجودهم هو في الولايات المتحدة التي تدعمهم. لكن بالمناسبة، بما أن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم خسر المدن الكبرى في الانتخابات المحلية، فجأة تخلّى عن ذكر هذا التهديد الوجودي. ومع ذلك، فإن المفتاح لحل جميع هذه المشاكل هو مع الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، تواجه تركيا مشكلة وشيكة أخرى: التهديد الوشيك بالعقوبات الأميركية والخلاف الأوسع مع الحلفاء الغربيين على شراء تركيا لمنظومة صواريخ الدفاع الجوي الروسية "إس-400". لم يتبقَّ سوى شهر واحد حتى تتسلم تركيا المنظومة ما يؤدي إلى فرض عقوبات أميركية أوتوماتيكية، لكن الحكومة التركية لا تزال تقول إنها لن تنحرف عن اتفاقها مع روسيا.
ولكن بعد الاتصال الهاتفي بين ترامب وأردوغان، زاد الأمل في الأفق للتخلص من هذه المشكلة. لم يتفق الزعيمان بعد ولكنهما قررا الاجتماع في نهاية حزيران\يونيو في اليابان خلال قمة مجموعة العشرين. كانت هناك نتيجة فورية أخرى لهذه المحادثة الهاتفية؛ أطلق بشكل غير متوقع سراح عالم سابق في إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) ومواطنة تركية أميركية من السجون التركية، بعد أن أمضيا 3 سنوات تقريباً خلف القضبان. بالطبع، إدّعت تركيا أن هذا هو قرار المحاكم التركية المستقلة التي بالطبع لا تقبل أي أوامر من أي سلطة ولكن يبدو أن قرار المحاكم التركية، في هذه الحالة، هو نفسه رغبة ترامب.
ولكن مكالمة هاتفية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن تخلق بالتأكيد مثل هذا التأثير كما ثبت مرات عديدة. في العام الماضي فقط، اتصل بوتين وأردوغان ببعضهما البعض كل أسبوع تقريباً، ولم يخلق أي منهما شعوراً بأن "ربما كل شيء على ما يرام".
السحر لا يكمن وراء الهاتف، في الواقع، كان مجرد تذكير بحدود الصداقة التركية الروسية.
بدأت العلاقات بين أنقرة وموسكو في التحسن عام 2016 عندما أدركت تركيا أن الولايات المتحدة ليست على استعداد للسماح لها بإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا ولكنها اتخذت قراراً أسوأ بالتعاون مع وحدات حماية الشعب.
صحيح أن تركيا وروسيا قررتا التعاون بشأن سوريا ومجموعة من القضايا الأخرى، بما في ذلك الدفاع والطاقة النووية، لكن تطلعاتهما الجيوسياسية القوية غير متوافقة إلى حد كبير. إنهم لا يتشاركون النظرة الإيديولوجية نفسها، لكن تحكمهما أفكار متماثلة في الوقت الحاضر. في الواقع، ما يجعلهم أكثر قرباً هو الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط وتوتر العلاقات مع الولايات المتحدة.
لهذا السبب تمكنت مكالمة هاتفية من ترامب من إبطاء المناقشات حول ما إذا كانت تركيا تنحرف عن الغرب لفترة من الوقت. نعم، تركيا ليست على الموجة نفسها مع الغرب طوال الوقت، لكن هذا لا يعني أنه، أو على الأقل من السابق لأوانه، القول إن أنقرة مستعدة للانضمام إلى موسكو خاصة في الشرق الأوسط. التعاون بين الاثنين اليوم لا يعني التعاون غداً. لكن هناك أمراً واحداً مؤكداً، أن هذا الكلام الدبلوماسي لتركيا له تأثير حاسم على قصف إدلب؛ عندما يقترب الجانب الروسي من الأسفل، سيكون هناك المزيد من التفجيرات، وعندما ينتهي الأمر، سيكون هناك أقل من ذلك. لكن لعبة تركيا هي محاولة إرساء الاستقرار وهو أمر ليس سهلاً على الإطلاق.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024