تركيا في المتاهة

عائشة كربات

الخميس 2019/05/02
بغض النظر عن المكانة التي تقف فيها سياسياً، إذا كنت تنظر إلى العالم من أنقرة، فإن وجهة نظرك، غير الواضحة بسبب الغبار الناتج عن سوريا، ليست واعدة على الإطلاق.
في جانب، عليك المواجهة أو التآمر مع "بلطجي"، الولايات المتحدة التي لا تمانع في كل ما يتعلق بمخاوفك الأمنية ولكنها تحاول أن تملي عليك ما يجب فعله وتهدد بالعقوبات وتحاول أن تفرض عليك من أين ستشتري النفط وأنظمة الدفاع الخاص بك. 
تشعر أنك إذا أحنيت رأسك لهذه البلطجة، فلن تنتهي أبداً، وسوف تستمر في الظهور. من ناحية أخرى، لديك روسيا، التي يبدو أنها تعترف بمخاوفك، لكنها تريد أن تتلاعب بنقاط ضعفك في طموحها لأن تكون متنمراً آخر في الحي.
الفيلسوف أنطونيو غرامشي كان على حق: الأزمة تعني أن القديم يموت والجديد لا يستطيع أن يولد. هذا ما يواجهه الأتراك الآن، في وسط العالم، منطقتنا والبحر الأبيض المتوسط.
تركيا ليست بريئة عندما يتعلق الأمر بالذين يساهمون في خلق هذه الأزمة، ولكنها على الأقل تحاول الوقوف بحزم في عين العاصفة.
كل المشاكل التي نواجهها، من الحصول على صواريخ الدفاع الجوي الروسية "إس-400" رغم الاعتراضات والتهديدات الأميركية، والمنطقة الآمنة التي تريد تركيا إنشاءها في شمال شرق سوريا، إلى رغبة الروس والنظام السوري في مهاجمة إدلب وحتى المعركة على مصادر الطاقة في شرق البحر المتوسط، متضمنة في الحزمة نفسها. أي حل، أو إذا حدث تعقيد آخر، سيكون له تأثير على حل آخر.
أحدث حزمة من الحلول قدمها إلى أنقرة، المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري. وفقا للصحافة التركية، خلال زيارته إلى أنقرة التي تستمر أربعة أيام، فإنه اقترح أنه يمكن لتركيا إنشاء المنطقة الآمنة التي تريدها بشدة في الشمال الشرقي من سوريا. عرضه ليس واسعاً كما تريد أنقرة، ولكن مجرد خط صغير مع الحدود مع عدد محدود من الجنود الأتراك.
في المقابل، على تركيا أن تتخلى عن تسلم صواريخ "إس-400" من روسيا، والتي من المقرر أن تصل في تموز/يوليو. أغضب قرار شراء تركيا للمنظومة الروسية، واشنطن التي تزعم أن هذه الأسلحة لا تتوافق مع أنظمة "الناتو" ويمكن استخدامها لجمع بيانات حساسة من شأنها أن تقوض قدرات مقاتلات "أف-35" الأميركية، والتي تريد أنقرة شراءها من الولايات المتحدة، وهي تشارك بالفعل كمنتج مشارك في المشروع.
تهديدات واشنطن بمعاقبة أنقرة إذا حصلت على "إس-400" لا تهدف فقط لعدم خسارة سوق أسلحة لصالح روسيا، أو لإرضاء إسرائيل، التي لا تريد أن تمتلك تركيا طائرات "أف-35" القوية التي تمنح أنقرة بالتالي اليد العليا في البحر الأبيض المتوسط. كما يدور الخلاف حول مصادر الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو أمر حيوي بالنسبة لإسرائيل لأنها أكثر من سيستفيد من هذه المصادر. منظومة "إس-400" هذه إذا وصلت إلى تركيا، فستكون لديها القدرة على هز الهيمنة الجوية للولايات المتحدة أيضاً.
ولكن دعونا نتخيل للحظة أن جيمس جيفري قادر على إقناع تركيا بإلغاء صفقة "إس-400" مقابل منطقة آمنة، حتى أن عرضه ليس جيداً كما تتوقع تركيا. أولاً، لن تنتهي محاولات "البلطجة" التي تقوم بها الولايات المتحدة، والروس سوف يشعرون بأنهم أقل تقييداً في عملية في إدلب، مما يعني المزيد من اللاجئين إلى تركيا. بالإضافة إلى ذلك، فإن وحدات حماية الشعب الكردية، التي تبتز تركيا والعالم بالإفراج عن أعضاء "داعش" في سجونها، لن تمتنع عن القيام بذلك. إضافة إلى ذلك، قررت الوحدات بالفعل تكثيف هجماتها على الوجود التركي في منطقة عفرين، مما يعني أن المخاوف الأمنية التركية لن يتم الرد عليها بالكامل.
إلى جانب كل ذلك، ليست هذه هي المشاكل الوحيدة بين الولايات المتحدة وتركيا. من فنزويلا، حيث تعترض تركيا بشدة على الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لتعيين رئيس دولة لذلك البلد، إلى فرض عقوبات على إيران، حيث تؤكد أنقرة أنه لا يمكن لأحد أن يملي من أين ستشتري نفطها، هناك مشاكل أخرى.
تركيا التي تطمح إلى أن تكون واحدة من مراكز القوى في المنطقة تقترب من روسيا كما هو واضح في بيانهما المشترك حول ليبيا، والذي دعا إلى وقف إطلاق النار وتجديد العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة.
يبدو أن التغلب على هذه الأزمات والبقاء على قيد الحياة بعد العاصفة يتطلب حصول تغيير جذري مثل صفقة بين شعوب المنطقة ودولها، بدلاً من السياسيين المتعطشين للسلطة. أو من الأفضل أن نكون مستعدين لمزيد من المشكلات.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024